
رواية شيخ سعد
(الجزء الثالث)

وفي اليوم التالي قبل الغروب خرج ابراهيم الى المقهى للعب طاولة النرد كعادته والتي كان يعشقها خصوصا عند ملاقاة خصمه اللدود استاذ محمد مدير الثانوية وبعده بنصف ساعة خرج صلاح مع كوركيس للتمتع بمنظر الغروب عند النهروالسير بمحاذاته . وقبل ذلك توجها الى المقهى وهناك تعرف الى المدير . وتبادلا اطراف الحديث وبعد نصف ساعة غادرا المقهى و مباراة حامية للتو بدات ......توجها حيث النهر وبالقرب من العبارة التي ما انفكت تزاول عملها قاطعة عرض النهر ذهابا وايابا جلسا وقد ادارا ظهرهما لها يتاملان . الشمس وهي تكاد تلامس الافق نهاية الطريق الزراعي الذي يمتد بمحاذاة النهر ويلتوي معه ومن البعد تصاعد الغبار خلف سيارة شحن كانت تشق طريقها مبتعدة وهي تسلك الطريق الترابي مختفية خلف الاشجار وسرعان ما همد الغبار وعاد الافق يصطبغ باللون البرتقالي وبدات زرقة السماء تنحسر تدريجيا امام اللون الرمادي القادم من الشرق لينعكس على المياه المنسابة بهدوء والمتجهة جنوبا ولا يعكر هدوءها سوى دوران المراوح تحت سطح الماء و التي تحرك هذه الكتلة الحديدية الهرمة الهائلة التي لايكف محركها عن الزئير التفت كوركيس الى صلاح مرددا
- اعتقد ان الامور على ما يرام
نظر اليه صلاح و كان ساهما لم ينتبه الى السؤال
- ماذا
- اقصد انها المرة الاولى التي تسافر خارج بغداد و للعمل . يمكن تأجيل سفري الى ما بعد الغد اذا كنت تواجه صعوبات في التكيف مع واقعك الجديد
- كلا على الاطلاق الامر لايتعدى اكثر من المحاضرات والعودة الى المأوى الذي وجدته بفضلك يا صاحبي وها انذا اعرف المدير ايضا وعلى ما يبدو انه شخص رائع.... . .
- غدا تنتهي اجازة يوسف اردت ان اقول لك شيئا احب ان تسمعه مني قبل ان تسمعه من غيري انه يفرط في الشرب ولايكف عن ذلك كل ليلة ربما يصر على مشاركتك اياه بعد ان تتوطد معرفتك به ارجو ان لاتجاريه فيما يفعله هو و ابو اكرم
ابتسم صلاح وردد
- من يتصور مسيحي ينصح مسلم باجتناب
الخمر
- تعودنا ان نشربه باعتدال .لذا تغلبنا عليه . .....وهذا ما جعل البعض منا يبيعه ولا يدمن كما يفعل الكثير منكم مثل ابو اكرم
- للمرة الثانية اسمعك تردد ابو اكرم .
ا ستدار كوركيس وشخص بصره الى العبارة مما جعل صلاح يشاركه اهتمامه بالنظر كذلك اليها متسائلا
- ماذا هنالك
- لاشيء كنت اود ان تتعرف عليه
- تقصد ابو اكرم وماذا يعمل هناك ؟؟؟؟
- انه زميلك مدرس اللغة العربية والتاريخ عادة ما يكون في العبارة او عتد نهاية السلم الخرساني قرب الجرف اعتقد انه قد غادر الى داره
- ماذا ومالذي يفعله في العبارة
- يطيب له الاحتساء من الربعية التي يخباها في جيب سترته مع قطعة من جبنة الكرافت . متاملا جريان النهر ولا يابه بمن حوله
- اذا لم اكن مخطئا اعتقد اني رايت ذلك الرجل في العبارة عند قدومي الى البلدة
اسمر بانف صقري وعيون صغيرة تحتمي وراء عدسات سميكة..... قصير نحيف ابيض الشعر كث الشارب يغطس في بدلة بنية قديمة وربطة عنق حمراء استحالت الى ورقة سمراء من كثر ما مرت عليها المكواة
- بالضبط انه هو
ثم صمت كوركيس ولم يشأ ان يدخل في التفاصيل وكانه اراد ترك تقييم هذا الكائن للقادم من الايام ولم يشأ صلاح ان يعرف اكثر مما عرفه غير انه سأل وكانه اراد ان يسمع من الذي بجانبه قضايا تشغل باله
- وابراهيم كيف يتحمل تصرفات يوسف
- بالرغم من اختلافهما في كل شيء الا انهما توافقا ان يعيشا تحت سقف واحد.... يوسف يخشى من زوار الفجر بعدما تورط بانتماء سابق للحزب الشيوعي ودفع ثمن ذلك اسبوع في اقبية التعذيب بمديرية الامن واختفاؤه هناك طيلة هذه المدة جعلته شديد الحذر في الخوض بالمسائل السياسية غير انه احيانا وعندما يستفز بعد عدة كؤوس وفي مجالسه الخاصة تفلت منه بعض العبارات التي تفضح انتماؤه السابق غير انك لا تستطيع ان تعرف منه ما حدث له طيلة الاسبوع الذي اختفى فيه فهو ما زال وسيبقى لايرغب بالكلام عن ذلك حتى لاقرب الناس اليه....... و ابراهيم على العكس منه ينتظر بلهفة و قلق زائرة الفجر ليفوز بمضاجعتها تزوره كل اسبوع كل منهما لديه خوف يشغله عن الاخر
عندها انتبه صلاح الى تلميحات كوركيس وعقب قائلا
- شاهدت قبل يومين ما يثبت صحة ما تقول
- ماذا هل.......
- خرجت من الحمام مسرعة بجسد قمحي عارية قصيرة بدينة يتقدمها صدر هائل وخلفها عجز مثله يعلوان وينخفضان وكانها الهة بدائية دبت فيها الحياة للتو الماء يقطر من جسدها . مجتازة الباحة الى الغرفة
لم يستطع كوركيس ان يكتم ضحكة ادمعت عينيه وردد
- انت الان بين ملحد سكير ماانفك يتفوه احيانا ورغما عنه بما يغيض السلطة بسعة اطلاعه وغزارة مفرداته التي تخرج عندما يعب عدة كؤوس من العرق بصحبة ابو اكرم الماكنة الهرمة التي لاتسير الا بجرعات من العرق واخر مولع بالنساء عليم بمن ترغب بالغواية . و لاتستطيع ان تقاوم ما تفرضه غريزتها ولا يطيب له الاممارسة الحب في جنح الظلام بالرغم من اقامته للفروض . على اي حال كلاهما يمارسان سلوك ينذر بعواقب وخيمة احدهما يتصرف بما يغيض السلطة والاخر بما يغيض العرف والتقاليد ربما اذا استمر الامر هكذا سيدفعان الثمن اجلا ام عاجلا انهما في المقلاة واذا قفزا لم يجدا غير النار
عندها ساله صلاح
- العاملين في البلدة من مدرسين والعاملين بالمركز الصحي ما رايك بهم
- د خليل لاحولة ولا قوة كل همه هو مهادنة سويلم وتلبية طلباته من حقن السوسيكون المخدرة بوصفات يجمعها مع جفات عامل الخدمة في مكان في المقبرة ليبيعها في الكوت بالاشتراك مع جبار المضمد
- ما اغرب تصرفاتكم ايها الذميون تعرفون كل ما يدور في السر ولا يستطيع احد ان يضاهيكم في ذلك ومع ذلك لا تتكلمو الا مع بعضكم ونادرا مع من تثقون به .....تقصد سويلم هذا المصدور الذي يقف عند باب العيادة
- .. ........امثاله كثيرون يرتضو بالذل ويعيشو على المزابل كالخنازير .. .يمتهنو الخيانة ولا يطالبو بحقهم بل يتوسلو لاقراضهم حتى يتسولو
هذا الفيلي كان سببا في تهجير ابناء جلدته ومخبرا يرشد السلطات الى مكان اختباءهم ليتم سوقهم كالعبيد الى مصير مجهول عبر الحدود
انه صبي فاسد مثل الكثيرين الذين يعج بهم مجتمعك وهو نتاج لحقب متتالية من القسوة قتلت ادميته امثاله لو امطرت السماء حرية فتحو المظلات
عليك بتجنبه و لا تعطيه فرصة ليوطد معرفته بك لانه يسعى الى معرفة ما يدور في دواخلك انه عين المنظمة في البلدة.
لوطيا بمحظ ارادته .....و لجفات فقط منذ نعومة اظافره..شريكه في جمع السوسيكون .....رايتهم بوضع شاذ يثير الاشمئزاز وعلى سرير الفحص في غرفة الدكتور
- هل د خليل وابراهيم ود فائز على علم بذلك
- الجميع على علم غير ان كل منهم لديه من الاسرار ما يجعله يصمت عن الباقين
- ود خليل ما الذي يجعله صامتا على ما يدور من حوله
- انه مغلوب على امره راض بما يتمتع به من مزايا يحلم بها اي شخص غيره .....زوجته مديرة للمدرسة ويسكن بالمجان دار حكومية جيدة وخلفه في كركوك وبالذات في محلة تسعين حكاية تؤرقه.... سويلم ومن معه على علم بها
- ما هي
- احد اخوته القي القبض عليه في احداث خان النص وحكم عليه بالاعدام وانت تعرف ما يعني ذلك
لذا هنالك نوع من الابتزاز فسويلم هو الشخص الذي يستطيع ان يجعلك في مناى عن اى استجواب لانه شخص يعتد برايه في المنظمة
ساد صمت عميق وتسائل صلاح مع نفسه انها فترة لا تتعدى الثلاث ايام وعرف عن هذا المكان اشياء دثرتها احقاد لم تدع فسحة حتى لنور عكر بالكاد ينبض لانسانية دمرهاالخوف عبر قرون من الغزو روي عنها اشياء لايمكن لعاقل ان يصدقها بالرغم من انها حدثت بدات من كورش الاول واحتلاله لبابل الاكدية والامعان بقتل رجالها واستحياء نساءها وبعده الاسكندر وما فعله بالاخمينيين وهروب كورش واحتلال بابل وفعل ما فعله كورش الاول ثم مجيء الساسانيين ونهايتهم على يد عرب الردة بعد ان تخلص منهم ابا بكر بزجهم في حروب فتح العراق ثم جمع الموالين وزجهم في فتوحات اسيا بعد سنين من التنكيل بهم وصلت الى حد نهب دورهم فكان عربي الردة الفاتح للعراق و القادم تحت امرة سعد ابن ابي وقاص لايكتفي باخذ فرس الموالي بل ياخذ زوجته ويبيع ابناءه ويحمله ما سلب من متاعه........وبعد مقتل عثمان وقدوم علي الى الكوفة بدا معاوية يخطط لازاحة بني هاشم من طريقه ليتسنى له الانفراد بالسلطة وبدأ
التنازع على الخلافة بين معاوية وعلي والفتنة الكبرى والثورات المتعاقبة في فترة حكم الامويين وبطش الحجاج وزياد....... لينتهو عل يد العباسيين ثم معاودة الثورات مرة اخرى ومنها ثورة الزنج التي وصلت الى مشارف بغداد وما زال الجنوب يعانون من مرض فقر الدم المنجلي بعد ان زرعوه . في ارحام النساء ثم مجيء هولاكو والمغول وتيمورلنك والتتار ومعاودة الفرس غزو البلد وهذه المرة بقيادة الصفويين الاتراك ثم العثمانيين ومذابح سليم الاول للشيعة بعد تنكيل الصفويين بالسنة وهكذا سار الامر حتى مجيء الغزو البريطاني وتهميش الشيعة واتهامهم بالتبعية لايران وهاهو البعث يطل اليوم براسه ليرتكب مذابح ما بعد شباط امام كل هذه الاحداث هل تتوقع ان من يعيش في هذا الوطن اسوياء؟؟ سؤال لايمكن الاجابة عنه دون ان يثير حفيظة الاخرين ولايمكن المجاهرة به لذا............
لم يبق في هذا البلد سوى اناس امتلات قلوبهم قسوة و لؤم وكراهية لهم قصب السبق في السيطرة وتقرير مصير الاخرين الذين لاحولة ولاقوة سوى الطاعة والتملق
.- عليك بالحذر من امثاله .
انتبه صلاح الى كوركيس وساله
- ماذا احذر ممن ؟
-سويلم الذي لا يروي عطشه الا بدماء الشرفاء من حوله
امثاله مؤسسة للاكفان فهو يختار الصدق بنية سيئة ينال به ضحاياه
-انا بعيد عنه
-سيتبعك الى الثانوية ويحاول معرفة كل شيء عنك انه عين المنظمة في البلدة
- و هذه الصهباء المثيرة التي على ما اذكر كانت تقف الى جانبه عند دخولي للمرة الاولى الى المستوصف سائلا عنك
ابتسم يوسف و همس في اذن صلاح
- انها فريدة امراة عامل البلدية والوحيد الذي ارتضى بمهنة الزبال دون الاخرين........ .
- افروديت بعباءة
-اعتقد انها اثارت اعجابك انا اعرف ذوقك في النساء
- انثى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و لكن من هو عامل البلدية هذا
- عامل البلدية هذا هو الوحيد الذي ارتضى ان يزاول عمله في جمع الازبال بالرغم من وجود عمال اخرين غير ان لااحد منهم يجرؤ على ممارسة هذا العمل
- جامع الازبال ولديه مثل هذا الملاك
- بل قل مثل هذه البائسة انها حكاية طويلة بل هي قصة من قصص الف ليلة وليلة غير ان بعلها لم يحض بمصباح علاء الدين ومع ذلك هو اغنى من علاء الدين .......يملك ثروة لايملكها اقطاعي في العهد البائد
-ويمارس هذا العمل الوضيع
- منذ اكثر من ثمان سنوات جاء الى هذه البلدة لايملك سوى ما يرتديه جلباب بال وكوفية كالحة بلون التراب بقي على هذا الحال لايام متشرد لاسكن ولامال حتى وجد له ماوى غير ماهول لزورق حديدي اكله الصدأ مهجور منذ عقود يجاور مرسى العبارة يستحم في دجلة وياكل من فضلات المطعم الوحيد في البلدة استمر على هذا الحال لفترة حتى رق له قلب ميرزة و رثى لحاله وجعله صبيه في المتجر يكدس البضائع في المخزن المجاور للمتجر واسكنه في خربة عائده له تسكنها قبله امراة جاوزت المائة عام تسكن الغرفة المجاورة لغرفته غير ان العلاقة بينهما شبه مقطوعة وكان كل منهما يعيش في عالم اخر وتناقلت الناس اخباره بدافع الفضول البعض قال انه لقيط لااهل له والاخرين قالو انه ارتكب عمل شائن وفر الى البلدة وبعد فترة لم يعد احد يهتم لامره وتركوه لحاله يعمل بتفان واخلاص ......قليل الكلام منزو يتحرك كالنحلة يمتلك جسد غوريلا ولديه القدرة على افراغ شاحنة دون كلل او ملل وخلال وجوده ولاكثر من خمس سنوات من العمل بجد واخلاص استطاع ان يكسب ثقة الرجل واستطاع طيلة هذه السنوات ان يكسب ثقة ولي نعمته واصبح الذراع اليمنى لميرزة يصل باكرا ينظف المتجر ويستقبل الزبائن والتجار وتعلم الفارسية من خلال عمله وتعامله مع التجار القادمين من ايران المحملين بمختلف البضائع والمتبضعين العراقيين القادمين من الشورجة ليزودهم بما يحويه المتجر حيث كانت البلدة تعج بهم لقرب المسافة بين حدود البلدين وبعدها هبت رياح التغيير وجاءت عاصفة التهجير هاجر الكثيرين ومات ميرزة وسط هذه الفوضى جاءت الفرصة التي يحلم بها كل خادم ومع المفاتيح التي اودعها عنده رب عمله وهروب اهل البلدة خوفا مما هو قادم وخلو السوق من اصحابه استطاع ان يسوق كل ما تحويه المخازن والمتجر الى واسط عبر طريق الدجيل ولمدة ثلاثة ايام كانت الشاحنات تعمل دون كلل او ملل الى ان ترك المكان خاويا ولم يجد احد يطالبه بما باع من بضاعة واختفى لاكثر من شهر وقيل انه اودع مبالغ هائلة في المصرف وعاد ليشتري زورق وشباك ليقض اوقاته بعيدا عن عيون الاخرين وسط النهر ولم يجرا احد عن سؤاله بما كان يعمل حيث الاغلبية مشغولين بامور تغنيهم عن السؤال .....ثم سعى بعد ذلك الى اقراض الكثيرين بفوائد باهضة مقابل وصولات امانة او يحتفظ بصيغ ذهبية يستولي عليها اذا لم يتمكن اصحابها من سداد ما بذمتهم ثم بدات علاقته تتوطد مع الموظفين والعمال في الناحية واستطاع ان يحصل على عمل في البلدية وهاهو تراه عند كل غروب يدفع عربة الازبال نحو مكب النفايات مجاور المقبرة عند اطراف غابة الغرب جنوب البلدة
- . .....كيف عرفها وتزوجها
- قبل اكثر من عامين اختفى لفترة شهر كعادته في شهر اذار من كل عام وقيل انه حصل على اجازة سنوية يسافر خلالها الى الشهابي ومنها يعبر الحدود الى ايران حيث يعمل في تجارة الاغنام وتهريب خراطيش الصيد ومن خلال عمله الموسمي هذا اصبحت لديه علاقات وطيدة مع بدو فارس حيث وجد ضالته هناك وشارك احد الرعاة الفرس بعد ان وطد معرفته به... فودع لديه بضعة رؤوس من الغنم ومع مرور اكثر من ثلاثة اعوام وصل ما يملكه مع والد فريدة الى اكثر من مائة راس وجاءت الفرصة وهو على يقين ان الامر عندما يتعلق بالمال فالناس جميعا يصبحو على دين واحد واستطاع ان يقنع الاب ويعطيه نصف ما لديه من حصته مقابل فريدة وادعى بانه مسؤول البلدية في الناحية وسرعان ما وافق الاب ليتخلص من عبء حمل ثقيل زنته ستة اناث اكتفى بهن بعد ان ياس من انتظار المولود الذكر وهكذا عاد مظفرا بامراة يحلم بها الامراء قبل الفقراء وبمجيئها مزق قصاصات الصور للهوليديات العاريات المعلقة على جدران غرفته البائسة وزينت الدار الشبه مهجورة بجمال يخطف الابصاروملات حياته بلغتها الفارسية الحلوة وجسدها البض الابيض الناعم وشعرها الاحمر المجعد لتشعل لياليه العقيمة المعتمة الباردة بنار تشع الدفء والطمانينة غير ان الامر لم يستمر طويلا هكذا حيث طلبت منه الكف عن هذه المهنة في جمع الازبال والتمرغ في مكب النفايات التي لا تناسب ما لديه من ثروة وترك البلدة والانتقال الى واسط
الا انه رفض الانصياع لها لانه يعلم ان الثروة لم تاتي الا من خلال عمله بالاقراض والراتب الذي يستلمه نهاية كل شهر وخوفه من المجهول بعد ان جربه سابقا ليحتم عليه بخله وخوفه من التغيير ان يعيش حياة الفقر مرة اخرى
اثار ذلك حنقها وبدات تناكده وهو لايعير اهمية لكلامها حتى وصل الامر الى ان تشكو امرها الى كل من يتكلم لغتها
وعندما وصل الامر الى مسامعه ثارت ثائرته وعاد الى البيت غاضبا ونشب خلاف انتهى بعراك فانهال عليها ضربا مبرحا
غير ان ذلك زادها اصرارا
وكررت فعلتها
وكررضربها فما كان منها الا ان بادلته اللكمات والصفعات
حاولت اقناعه بزيارة اهلها اكثر من مرة غير انه في كل مرة يرفض طلبها خوفا من ان تفلت منه عند وصولها هناك..... استسلمت في نهاية الامر لواقعها المر بعد ان نال منها قبل اشهر مرض السل ....و لانها لا تعرف الى اين تذهب وتحاول ان تجد طريقا لاهلها دون جدوى لذا اضطرت الى البقاء ورضخت لتكون سجينة هذا البخيل الذي مهد بسلوكه لتكون فريسة لغيره بعدما ايقنت انها تنام مع عدوها برائحته التي لا تطاق في فراش واحد لذا بدا الشيطان يجد فرصة للعمل و بدا الضجريتسلل الى حياتها البائسة في ذلك البيت الرطب سيء التهوية وفي ذلك الزقاق الضيق الذي تشقه ساقية القاذورات والماء الاسود وهي الكائن البري الذي تعود على استنشاق رائحة الزهور البرية وهواء تلال حمرين لينال ذلك الداء من رئتيها مع مرور الايام لتبصق دما وايقنت انه تحالف مع زوجها ليقتلها انها كائن جميل معافى ولكنه يحمل في داخله موت قريب لها ولمن يشاركها الفراش..... لديها اضبارة تاخذ من خلالها حبوب الايزوباص و حقن الستربتومايسين مع كل زيارة للمستوصف
- وهو الم يراوده الشك فيما هي عليه
- حتى لو عرف لا يعر اهتماما ..... ما يثير الدهشه لديه جسد عصي على ذلك المرض انه من جنس يتغلب على السل وغيره انا على يقين اذا اصيبت البلدة بالطاعون تجده يدفن الجثث دون ان يناله ذلك المرض....وكل همه كم يدفعو مقابل ذلك . على اي حال انها لا تهمه بأي شكل من الاشكال اكثر من مضاجعتها و لايتورع عن هجرها متى ما جزع منها
- وابراهيم هل هو على علم بما يدور
- ابراهيم يحتفظ بسجل يدون فيه جدول العلاج وهي حبوب من الايزوباص وقناني صغيرة من باودر الستربتومايسين للحقن العضلي مع بعض صور الاشعة لكل مصاب وهم كثر اما بالنسبة لما يدور من احاديث في مثل هذه المسائل فهو يتمتع بمنظر البحر وهو على اليابسة ولا يجرؤ على الخوض الا في السواقي الضحلة غير ان الرغبة التي تؤسره احيانا وخصوصا اذا ما تمادى هي التي اخشى ان تكون السبب في يوم من الايام . ليقع في حفرة عميقة وهو لايجيد العوم
اراد كوركيس ان يتكلم بشأن يخصه مع صلاح دون الاخرين وقد بدا على وجهه بعض الجدية شاخصا ببصره الى الضفة الاخرى وقد ارتسم على وجهه حزن خبره صلاح فيما مضى
- ماذا هنالك لم اعهد بك هذا الوجوم
- لاشيء غير اني قد لا اراك بعد ذهابي غدا
- اعتقد ان ظنوني في محلها انت على وشك الرحيل
- لا رغبة لي بالهجرة غير ان ما حدث يجبرني على ذلك والدي ووالدتي في ديترويت مع اختي وزوجها تم تصفية كل شيء قد لااطيل البقاء في مدينة الطب لاكثر من اسبوع وبعدها اسافر الى اسطنبول ومنها الى امريكا
بعد الاعدادية كنت على يقين بانك ستكون اول المغادرين واليوم اراك صامتا وكانك قررت البقاء اين طموحك القديم للسفر واكمال الدراسة اراك محبطا ومتردد
- بل مازلت انتظر بلهفة ما يأتي من رد لاادري هل هو سوء الطالع هذه الرسالة الرابعة التي ارسلها والرد الثالث من اتحاد الجامعات السويدي وفيه طلبو دورات تقوية في الانكليزية والرياضيات وارفاق نتائج ذلك للموافقة عل طلبي في دراسة الطب
تمكنت من ارفاق كتاب عن دورة . في الرياضيات بعدما ايقنو اني اجيد اللغة الانكليزية وهاانذا انتظر
- بدا عقد المجموعة ينفرط هذا هو حال الدنيا لم يعد يراودني الشك فيما تنوي فعله بل هو الصواب ربما ان رياح التغيير تهمس بصوت لا يسمعه الا القلة ولكنها تقول ان هذا الشعب بدا يعاني من الارهاق بعد عقدين من العنف اصبح يخاف الموت دون مباركة حاكمه ويكره الحياة دون هباته لذا ابدل المنطق بالجنون و اخذ يردد هتافات حمقاء ومستعد ان يقتل او يقتل لاسباب تافهة اطلق عليها جزافا اسم الوطنية حتى اصبح .
بقاؤنا عبء عنيد لا نستطيع تحمله الى ما لا نهاية ....
مستقبلنا يلتف مع الدخان ليختفي في سماوات واسعة . انت تعرف يا صديقي هنالك نظرة تبلورت بعد الفرهود....... مالدى الاقليات اشياء تسيل لها لعاب الغوغاء وتلك الاشياء مرهونه بوجودهم لذا يمكن الحصول عليها بعد كل تغيير لتتمتع تلك الجموع البائسة بلذتها عندما نجبر على تركها خلفنا ونفر مذعورين من الموت الذي يزحف علينا ولا قدرة لنا على المواجهة لذا رضينا مرغمين على ان لا نكون وايقنا اننا في بلد يتحول جيشه الى قطاع طرق يشارك الرعاع غنائمهم في كل انقلاب وما اكثرها
والعجيب في الامر ان هؤلاء على مر التاريخ يذبحو الثوار بايديهم و يرثوهم بلسانهم حتى تدمع عيونهم بل يقيمو الماتم ويذرفو دموع ساخنة عليهم والسيوف ما زالت تقطر من دمهم
نحن لدينا الكثير لنقوله ولكن لا جراة لدينا على فعل ذلك نخاف ان نبادلكم العداء و لا نجد من يدافع عنا ولا نستطيع الدفاع عن انفسنا لذا اصبح لزاما علينا ان نعطي النذور من مالنا و شرفنا ونسمع من يتنابز ويهزا منا..... خيارنا بين وطن نكون فيه كالعبيد والعبد بارادته يجب ان لا يلعن الحياة التي يعيشها وبين غربة قاسية نكون فيها احرار
- ما هذا الذي تقوله يا كوركيس
- هذا ما حدث اختفت زينة قبل ثلاثة اشهر لنجدها بعد ذلك قد تزوجت من سمير ابن جبار القصاب
- ماذا زينة اختك الصغرى طالبة الاعدادية تزوجت من هذا الارعن
- هذا ما حدث وتركنا في موقف لا نحسد عليه بحكم المجتمع الشرقي الذي نحن جزء منه مما اضطر والدي الى بيع كل ما نملكه والهروب مع العائلة من العار الذي يطاردنا من الاقارب والمعارف قبل غيرهم ..... تعرف اني لااقيم وزنا لمثل هذه الامور ولاارغب بان اكون وصيا على جسد امرأة باسم الدين والعرف . حتى لو كانت اختي ولكني لا اطيق ان نكون دائما رافعي الراية البيضاء امام من يهزأ باستسلامنا. مجتمعنا غابة لذا افراده لا يشعرو بالامان الا عندما يكونو بين اشجارها .
لذا اصبح لزاما علينا ان نبحث عن غاباتنا لانكم لا تقبلو بنا الا طرائد في غاباتكم ولا نملك مثل الاكراد جبال نهرب اليها متى ما كشرتم عن انيابكم
عندها نهضا وسارا معا صامتين وقادتهما اقدامهما الى نهاية الشارع . حيث ينتهي العمران ويبدا الطريق الترابي الذي يمتد على سدة تحاذي النهر التفت كوركيس الى سوق منفرد ضيق مسقف بشكل جيد مظلم كئيب يلي بيوت مهجورة ما زالت الجدران في بدايته تقف منتصبة بعد ان انتفخت كبطن حبلى الا ان النظرة الفاحصة لما تبقى من ضوء يظهر في احد تلك الجدران شرخا كبيرا ياخذ طريقه متعرجا تتدلى من اعلاها حصران متاكلة حافاتها حيث وقفا عند نهايته المطلة على الشارع بمواجهة النهر في مكان بدا يزداد عتمة وبدات بعض النجوم تظهر ملتمعة تتغامز في سماء بالكاد بقي فيها اثر لزرقة عند الافق الغربي وبصوت منخفض التفت الى صلاح هامسا
- هذا ما تبقى من السوق في البلدة بعد ثلاث سنوات من اغلاقه وتهجير غالبية تجاره
لاحظ صلاح الممر المظلم الضيق الطويل للسوق وايقن ان فتحته الاخرى تنتهي في الجانب الاخر حيث المقهى وانتابه ضيق من هذا المكان المهجور حيث نمت الاعشاب البرية وارتفعت بعلو قامته وقد احاطت جدرانه من كل جانب وخلفهم ارتفع من الشرق للتو قمركاملا وكادت حافته السفلى تلامس الافق وقد اصطبغ بلون برتقالي غير مضيء مع تزايد عدد النجوم التي تبرق بسماء مظلمة وسرب من الطيور يشق طريقه نحو الجنوب ومع طيرانه يتصاعد صوت لقائد يرشده
- يبدو انه يمتد حتى الجانب الاخر حيث الشارع الذي يقع فيه المقهى والبيت
-نعم يمتد من الشارع المحاذي للنهر ليصل الى شارع مقهى فرهاد ......سوق مهجور يبلغ عرضه الثلاث امتار.... تغطي فضائه صفائح رصت على هيكل حديدي انشأ منذ ايام الحكم العثماني تقع على جانبيه محلات كانت في يوم من الايام تعج بالبضائع القادمة من ايران والحبوب التي تزرع في الاراضي المحيطة بالبلدة...... من الحماقة ان احدثك عما سمعت من شائعات عن هذا السوق عن الاشباح التي تنبثق من حلكة الظلمة في داخله ليلا حيث اثيرت احاديث عن بعض الذين ارادو ان يختصرو الطريق الى المقهى غير انهم لم يعاودو الكرة مرة اخرى بعد مغامرة كادت كثافة الظلمة ان تخنقهم والعرق البارد يتصبب من وجوههم قطرات كبيرة وقد شاهدت احدهم وقد جحظت عينه وهو بيننا وكانه يامل ببصيص نور من الجانب الاخر بالرغم من انه لم يرى بوضوح ما سبب رعبه ولكنه شعر بان هناك من كان يتعقبه ويكاد ان يلمس كتفه من الخلف.
بالرغم من انه خرج الا ان كل ما في جسده كان يرتجف وقد اصابه الذهول ولم يصدق ما حدث له غير انه لم يجرؤ هو ولا غيره على الدخول مرة اخرى
نظر صلاح الى كوركيس وابتسم مازحا
- مارايك في اجتيازه ونحظي بشرف التعرف على من فيه
-يبدو انك لاتصدقني .
- وهل يجب ان اصدقك
- حسنا انت غير ملزم بذلك غير اني انصحك ان لاتجرب ذلك مستقبلا وان لم تؤمن بوجود مثل هذه الاشياء
- ماحدث لهؤلاء ليس اكثر من رهبة استحوذت على الخوف الكامن في نفوسهم من الظلام الدامس وما سمعوه من احاديث مرعبة فبدأ العقل يرسم هذه الانطباعات الغامضة والمريبة
- ولكني سمعت مرة وفي احد ايام الشتاء العاصفة اصوات خافتة مرتعدة مكسرة ظننت للوهلة الاولى انها اصوات الرياح غير ان يوسف وابراهيم انتبها الى ذلك وقتها شعرنا بشيء من الخوف مشوبا بشعور من الدهشة وابتعدنا عائدين الى البيت وقشعريرة تعتريني مثلما اعترت اللذان معي يحاول احدنا ان يسبق الاخر في سيره لكي لا يبقى خلف المجموعة ما سمعته مني يعرف به كل من في البلدة
نظر صلاح الى ساعته
-الساعة جاوزت العاشرة مارايك بالعودة
استدارا ليعودا من حيث قدما ثم الى البيت حيث وجدا ابراهيم كعادته مستلقيا يستمع الى الراديو الصغير قرب راسه......
صباح اليوم التالي استيقظ كوركيس فجرا وبدا حزم امتعته بعد ان هيأ الافطار كعادته كل صباح وعند الثامنة ودعهم مغادرا البلدة التي قضى فيها اكثر من عام . . وجد . ...... وعند الغروب جلس صلاح على تخت قديم فرش بسجادة اقدم منه ساندا ظهره الى الجدار وامامه تلك المساحة الصغيرة من تربة رطبة تزخر بشتلات الجوري والرازقي يتوسطها جذع ضخم التفت حوله وتسلقته اغصان اللبلاب الى الاعلى لتصل الى السعف لبرحية نشر سعفها ظلال وارفه وقد تدلت منها عناقيد ضخمة لرطب شهيا... بدات النسمات تموت مع اقتراب المساء وساد هدوء سوى من ريح تهب فجاة وللحظات ثم تهدا فتحرك السعف ويتضوع الجو بعبق الرازقي والخضرة اليانعة مع رائحة الفرشي المبلول ويسود السكون بعد ذلك وبينما هو مستغرق ساهما يفكر فيما دار من حديث مساء امس طرقت الباب بدل ان تدفع.... ابراهيم خرج كعادته الى المقهى لاشك انه شخص اخر فما كان منه الا ان نهض فتحها ليفاجا يشخص طويل القامة اسمر بشعر مجعد يميل الى النحافة بدا رجل مهيبا ذا هيئة جميلة ودود بمسلك مهذب بدت عليه ملامح التواضع والغبطة نظر الى صلاح وابتسامة جنوبية على محياه وردد
- السلام عليكم....... ............
-وعليكم السلام
-حضرتك صلاح . اليس كذلك سبق لكوركيس ان كلمني عنك . .
- لا شك انك يوسف . نعم انا صلاح . الحمد لله على سلامة الوصول
ابتسم و مد يده مصافحا وهو يهم بالدخول متابطا حقيبته
- . لابد ان هذا الذي يدعي التقوى والورع خرج الى المقهى كعادته الصيف اوشك على الرحيل و المدارس ستفتح ابوابها ...جماعته من المدرسين يتوافدون الى البلدة كعادتهم في مثل هذا الوقت وبالذات محمد الذي ينتظره على احر من الجمر استميحك عذرا يجب ان استحم ثمان ساعات وانا محشور في حافلة بائسة يتصاعد الغبار والعادم من الثقوب الضغيرة في ارضيتها ليتحالف مع السموم التي تتسلل من النوافذ وعرق الجسد الذي ينضح بعد كل اطفاء لظمأ
- اعانك الله على طول المسافة في تلك الظهيرة القائضة
- متى غادر ؟
- من
- كوركيس
- صباح اليوم
ومضى يقطع الطريق الى الحمام في خطوات متراخية اغلق الباب وراؤه وتجرد من ثيابه وقبل ان يستحم خرج وقد لف الفوطة حول خصره وفي يده شعرة طويلة يمسكها بين السبابة والابهام وقد رفع ذراعه لتكن يده امام عينيه صائحا بتقزز
- لم اعد اطيق هذه القذارة تحول البيت الى مبغى يصول ويجول فيه مع عاهراته .... غدرهن الزمن بفقدان ازواجهن القدرة على ارضاءهن في الفراش ليكدحن و فوق رؤوسهن عند الفجر ما يدخره ضرع الابقار وغيرهن ممن تركن دون رجال يعشن الوحدة والسقم مع عمر تعدى الثلاثين.... هذا يكفي لم اعد اتحمل هذه التصرفات الصبيانية يعيب علي شرب الخمر ولا يعيب على نفسه مضاجعة البائسات والمتسكعات عند حلول الظلام والسماح لهن برمي قذارتهن في الحمام ولا يابه لما ستؤول اليه الامور لو فضح امره ......لو عرفو بالامر لتحولنا بعد ذبح احداهن الى شاخص لميدان رماية ....متى يتزوج ويغادرنا........ الخوف من الفضيحة يقض مضجعي متى تنهي سناء دراستها وتعود الى البلدة انا انتظر قدومها اكثر منه لا استطيع ان افضح سلوكه المشين امام والدها ابو اكرم فكلاهما صاحباي
تافف واحتج وعاد مرة ثانية الى الحمام وصلاح ينظر اليه بصمت وببلاهة مفتعلة وهو يخبا ابتسامة كادت تفضحه دون ان يجيب
كان المساء هادئا سوى رشقات ماء في الحمام . . . ....في تلك اللحظة دخل الى الدار شخص لم يكن غريبا على صلاح غير انه لم يكلمه سابقا شخص كل ما فيه يدل على انه ابو اكرم ومن خلف عدسة سميكة نظر الى صلاح يتمعنه بفضول يكاد يخفيه وبدون تودد وقد وقف على سيقان بالكاد تسند جسد لم يبق فيه سوى الجلد والعظام اراد ان يستره ببدلة بنية كالحة تهدلت وكانها زي لخيال الماتة وبصوت رجولى لايقارن بشكل صاحبه القى التحية والتفت الى غرفة يوسف وكانه يتفحص ما فيها ولم يشأ ان يعرف من الجالس امامه ودون ان يلتفت الى صلاح ردد
-اين يوسف
اجابه صلاح دون ان يرفع راسه من الكتاب الذي كان بين يديه وهو يرمقه دون اهتمام او دعوة بالجلوس وكانه يرد على ما بدر من لامبالاة
- يستحم
سمع تلك الكلمة ودخل الى الغرفة وكانه لايابه بما سمع للتو واختفى فيها لدقائق عندها خرج يوسف مرتديا قميص وقد شد حول خصره وزرة جنوبيه بخطوطها الحمراء والصفراء وكانه مراكبي غادر المهيلة للتو عندها ظهر ابو اكرم عند باب الغرفة وقد انفرجت اساريره مرددا
-اهلا بالسندباد الذي هجر سفينته وبحارته وجاء الى المنفى ليعمل كاتب لدى الرفيق الاعور كيف هو الفاو و الخليج .
عندها رد يوسف فاتحا ذراعيه صائحا
-اهلا بالعم ابو اكرم مرحبا بقدومك كم انا سعيد برؤيتك تسألني عن الخليج لاشيء هناك في رأس البيشه سوى النخيل ومزارع الحناء ثم ساحل من الوحل وبحر ممتد الى افق تضيئه كل مساء نيران حقول البترول من كل جانب ما زال كل شيء على حاله منذ مئات السنين بساتين النخيل ومزارع الحناء والاكواخ البائسة متناثرة وسط طرق التراب والخراب ولا نية بالنهوض واللحاق بركب من كان خلفنا
تعانقا بحرارة والتفت يوسف الى صلاح واشار بيده
-صلاح صديق كوركيس ومدرس الاحياء...ابو اكرم استاذ العربية في الثانوية
عندها نهض صلاح عندما تقدم ابو اكرم لمصافحته
- ما رايك بحانة العبارة
- جيدة وهي تقطع عرض النهر جيئة وذهابا غير انها بحاجة الى مقاعد ومظلة
قالها صلاح مبتسما
- يبدو انكما تعرفان بعضكما
- على الاطلاق غير انني اثرت اهتمامه عند صعوده العبارة
- ولم يشأ ان يتكلم معي حينها . بحكم الغريزة التي لا تشجع المرء على المجاملة والانفتاح على الغرباء
- وهاأنذا يراودني احساس باني امام شخص رائع
-شكرا جزيلا
- والان بامكاني ان ادعوك للجلوس وتناول قدحا من الشاي سيجهز خلال دقائق
عندها قال يوسف
- ولم الشاي دعنا من هذا المنبه الاسيوي القادم من بلاد الاكتظاظ و الجوع.. و الذي لايصلح تناوله الا في الصباح ...... نحن نعيش المرارة و بحاجة الى شيء من البهجة البابلية الى رحيق ما تهبه عماتنا ما رايك ابو اكرم
اجاب ابو اكرم ساخرا
- لا صديق للجوعان الا من يطعمه اويشربه
يمكنني الان ان اجلس على مؤخرتي كما يجلس الزعماء والفقراء
- اما انا علي ان اقوم بالخدمة عن طيب خاطر
عندها التفت ابو اكرم الى صلاح متسائلا
- ما رايك بشيخ سعد
- مدينة بائسة ادارت وجهها للنهر..... بشوارع لم يبقى فيها سوى بقايا اثر لاسفلت غارقة بصمت مريب وناسها اشباح لا تراهم الا صدفة . يمرو بك مسرعين بلا وجوه و سرعان ما يختفون
- لم يكن الامر كذلك ........قبل خمس سنوات كان هذا الشارع يمتلأ بهم وبأحاديثهم غير ان هذه التغيرات التي حدثت بسرعة عبر موجة التهجير اغرقت الاهالي بطوفان الخوف و بعد ان تاكدو بانها قابلة للتكرار ..... غادر البعض الى غير عودة والاخرين اختبؤو خلف الجدران في بيوتهم لايجرأو على الخروج مثلهم كمن اصيب بالجذام ولا يجرأ على ان يراه الاخرون و الاخرون لا يطيقون رؤيته اكتسبو طبيعة الخوف بعدما فقدو الحرية وغادرتهم الطمانينة التي كانو يعيشونها ومع ذلك يحاولو ان يتدبرو امرهم بطريقة ما وسط هذا الوضع الشاذ
- من بغداد
-نعم من بغداد
- وكيف هي الاحوال في قلعة الاسود
- لاتختلف عن مراكز المدن الاخرى.. غير انها الاكثر ضررا لانها الهدف لكل من ينشد الغنى والسيادة علاوة على انها مخبأ المارقين ومأوى الذين يبحثون عن اي عمل وضيع لسد الرمق . . ...... لم يعد هناك من اسود . خلعت الابواب وهدمت الاسوار اصبحت ملاذ للضباع والذئاب التي لا تجد ما تقتات عليه في قراها لذا شدت الرحال الى هذه المدينة لتزيح اهلها ببطىء وثبات الكثير منهم يتطلع للانتقام ...انها مدينة تكبر وتشيخ بالقادمين من مجاهل الارياف والصحاري لنشر ثقافة الصريفة والخيمة
- المدن العظيمة عندما تكبر لا تشيخ
- المدن التي لا تشيخ تكبر بابناءها لا بالغرباء مع كل ما يحملوه من عقد . وذنوب لا يجرا على ارتكابها ابليس.ما يحدث اليوم هو غزو اسوأ من غزو المغول انه غزو لاينتبه اليه احد ينساب ناعما وهادئا ويملأ الاماكن المنسية والمهمولة بأناس نالهم من الظلم ما جعلهم يفقدو القدرة على العفو والمسامحة متربصين ينتظرو الفرصة الملائمة للانقضاض وتدمير كل ما يقع تحت ايديهم من يدري قد يدمرو بالتالي انفسهم....... هذه المدينة بدات تفقد براءتها اجمل ما فيها دفن في الذاكرة ... ياسها يزداد بلا انقطاع لم يبق منها الا اطلال لجدران قديمة وبيوت هجرتها الاسر العريقة التي كانت في يوم من الايام متنعمة على حساب الجائعين والمحرومين.... رقة الروح فيها بالكاد تنبض بالحياة لكنها ترفض الموت...........عند المساء ازقتها تزداد وحشة كغابة بلا اوراق افقدها القادمون اليها و الذين شيبتهم الاحقاد كل شيء بريء
لم تعد سوى صورة في الذاكرة وحسرة بالكاد تريد ان تصبح فرحة
لم تعد هناك قطارات تنفذ بخارها وتصفر لتقف في محطة شرقي بغداد الانيقة في باب الشيخ ويترجل منها السادة مع نساؤهم الجميلات وحقائبهم الكبيرة ليستقلو العربات الفخمة التي تجرها الخيول القوية. ليصلو بها الى بيوتهم الانيقة.......... شارع الشيخ عمر ذلك الشارع الجميل الذي تتبختر فيه الخيول وهي تجر العربات المزينة في الاماسي تحول الى محلات لا تعد ولا تحصى محشوة بعمال واصحاب ورش يثيرو الضوضاء طيلة النهار مع الفاظ تخدش الحياء ومتسولات يتجولن لممارسة الرذيلة وعند المساء يعم الهدوء سوى من الكلاب والقطط السائبة والجرذان تتجول وتبحث بين النفايات وفي الازقة عوائل فقيرة خاضعة لابتزاز اصحاب تلك العشش البائسة التي يسكنونها
اختفى بارك السعدون بحدائقه الجميلةوممراته التي تحيطها الزهور خلف جدران عالية وتحولت بيوت العوائل العريقة وبيوت اهل الذمة الانيقة العالية الى اقبية لمديرية الامن ولجانها التحقيقية تلك اللجان المهووسة بسماع سمفونية الموت تنطلق من حناجر المعتقلين وهي تمارس هوايتها في اطفاء اعقاب السكائر في الجلد المحترق و قلع الاظافر والصعق بالكهرباء اوحشر القناني الزجاجية في مقعدهم ويعلقو من جلودهم في كلاليب المراوح ثم ينهالو عليهم بالضرب المبرح حتى تنكسر القناني الزجاجية في امعاءهم لينزفو حتى الموت في سراديب امتلات بكل اجهزة التعذيب الموجودة في هذا الكوكب ووحوش بشرية اذا ما انتهى واجبها تذهب الى بيوتها لتتحول الى كائنات ترتدي البدلات الانيقة بوجوه مهذبة عطوفة
الموت يتعقب الاحرار في ازقتها وفرق الاغتيالات القومية تزف الى اجسادهم الرصاص انها البداية التي ستجعل من الخصوم يردو الصاع صاعين متى ما تمكنو من الانتصار بكل وسيلة ممكنة هكذا هو الحال عبر تاريخنا الطويل لم نتعود على التغيير السلمي وادمنا على التغيير الدموي وهو تغيير مستمر ولا فائدة منه
اختفت المكتبات...... كورونيت والقصر الابيض ومكنزي
لم يعد احد يابه لنتاج العظماء والناس اصيبت بداء الخوف واللامبالاة . ....متى ما وقع الواحد منهم فريسة لرجال الامن ابتعد الباقين لمسافة امتار لينظرو ببلاهة الى من يساق الى المسلخ وكانهم قطيع من الاغنام ثم يزاولو اكل علفهم لايهتمو الا بمعدتهم وما بين افخاذهم...الواجهات تمتلا بمؤلفات لذوي الجماجم الخاوية يزرقون بها العقول بحقنة مليئة بالسم سارقين المفردات الاممية ليوظفوها كمفردات قومية يفرضوها بقوة كما فرض اراءه اول محتال على اول احمق صادفه
تلك المدينة لم تعد كما عهدتها بمقاهيها الادبية ودور العرض السينمائية
اجبر اهلها على الاحتفال الدموي في ساحة التحرير حيث اجبر الكثير منهم بالصراخ كالمجانين والدوران حول جثث المعلقة للنخبة المثقفة التي اتهمت بالتجسس زورا وبهتانا لبلد لا يملك ما يستحق التجسس عليه وقضو ليلتهم الاخيرة بعد اسابيع من اعتقالهم في شرب العرق والاستماع الى ام كلثوم وسط دماءهم وجلودهم المحروقة باعقاب السكائر و المكلومة بالقضبان والسلاسل الحديدية شربو حتى الثمالة كأمنية اخيرة و سيقو دون وعي ..الى ساحة التحرير قبل الفجر ليتم اعدامهم حيث علقو بحبال المشانق وقد طالت رقابهم بشكل غريب و البعض منهم امتلات سراويله الطويلة الحمراء بما لفظته امعائهم..................
لم يبقى سوى مثقفي السلطة بوؤساء قاصرين متملقين اسوأ من اللصوص يقفون كالقطط المتسولة على ابواب الحاكم لا يمتلكو سوى الطلاقة بالحديث ينتظرو بعد المديح ان يجود عليهم بدراهم من اجل متعة يحلمو بها والاخرون غوغاء كسالى منافقون بلا علم علاقاتهم تقوم على الخديعة لايبيعونك شيء دون غش وكل همهم
انتظار فرصة للانقضاض كذئاب جائعة على من تتهمه السلطات بالتامر
اكتظت بغداد بالحانات والمواخير وشقق الرفاق والعسكر تؤمها العاهرات ليل نهاروما يدفعهن الى ذلك رغبة رجال السياسة وحاشيتهم من التجار في خلق الفقر وايجاده لتكتمل صورة الجاه وتنتفخ اوداجهم غرورا بالرغم من الثروة الهائلة التي يتمتع بها البلد ....الغني هنا هو السياسي وحاشيته من التجار والمنتفعين الذين وظفو القانون لخدمتهم ليعطو من يشاءو ويذلو من يشاءو و لايتمتعو بثروتهم الا بخلق طبقة محرومة دون كرامة من اجل ان تتوسل وتهدر كرامتها عندها يشعرو بالرضى وتكتمل وجاهتهم فالثروة لا فائدة منهاو لا يشعرو بها الا بوجود رجل يتوسل ويذرف الدموع ليحصل على ما يسد رمقه ورمق عائلته وامرأة بائسة تمارس البغاء لا يكتفو بمضاجعتها بل باهانتها وضربها . . احيانا يقومو بحملة شرسة عندما تنتابهم الحالة الايمانية ويتم سوقها الى محاكم صورية ويقطع راسها عند حافة الرصيف ليتدحرج وسط بركة الدماء امام انظار العامة وهتافاتهم بالقصاص منها
وكما تعلم ياصاحبي هؤلاء القادة هم ليسو اكثر من لصوص كل همهم هو الاستيلاء عل الحكم يحلمو بالمناصب والمكاسب يعملو ضمن قانون اوجده لهم حثالة المثقفين من قضاة ومحامين وادباء ليوافق تطلعاتهم و اللصوص لا يمتلكو ما يكفي من الشرف ليكونو اسوياء ويتحلو بسلوك انساني مهذب لذا تراهم ذو خبرة بايذاء من يخالفهم الراي جاءت عبر حقب تمتد لاكثر من ثلاثة الاف عام فهم كائنات تبحث عن المتعة بثروات سرقوها ويحاولو تقليد بعض امراء الخليج وتجاره . الذين تتنامي ثروتهم مع قلة عدد سكانهم ويحذون حذوهم طالما انها ثروة طائلة تاتي اليهم متدفقة من تحت اقدامهم . والذي تأتيه الثروة من لا شيء يهون عليه كل شيء نحن في منطقة تعج بحسان الشام و معهن فيلق من رجال العلاقات العامة من السيمي باندر اللبناني............. . ..........وشرقا الشاهنشاه ذلك الرجل الذي اطفى على نفسه اللقب المثير للسخرية واستولى على كل شيء يتمتع بثراء فاحش ولقب قريب من لقب الاله يكاد حلمه بأمبراطورية يذهب ادراج الرياح .....امبراطورية يحكم بها الملايين الجائعة من شعبه تعلم على مر التاريخ ان يقدس ويقبلو يد من يحكمهم و يقتاتو الحشيشة بدل الخبز ...الرياح المحملة بالاوبئة تهب من كل الجهات ولا نستطيع تجنبها بالديمقراطية الطارئة القادمة من شعوب تعلمت ممارستها عبر تضحيات لمئات السنين .......اوالديكتاتورية المزمنة التي ادمنا عليها وجعلت الشعب فريسة لما تحمله من امراض الفاقة والنفاق وردود افعالها بالعجلات المدرعة تظهر كل عقد محملة بالمرتزقة تجوب الشوارع لتبحث عن المال والحسان .
انتهى صلاح من حديثه دون ان يلتفت الى ابو اكرم الذي كان يصغي بانتباه وعيونه شاخصة الى الارض ووقف يوسف حاملا بيديه زجاجة المستكي والاقداح ينظر اليهما دون ان ينطق بحرف واحد
وردد ابو اكرم
- الدم المسفوك لا يصمت على الدوام من يدري ربما تاتي الايام باناس شرفاء يمتلكو زمام الامور ويقيمو العدل ....
- الامر في غاية الصعوبة بل اكاد اجزم بانه شبه مستحيل لان هذا الدم المسفوك لا يهدا له بال الا بالانتقام ...... ومما زاد الطين بلة هنالك ثروة هائلة تتراكم دون عناء . وهذه الثروة يسيل لها لعاب مافيات السياسة من الاشرار و الانقلابيين و هناك كلمة يتحججو بها حتى كادت ان تصبح كعبتهم بل اصبحت ملاذ لهم تدعى الوطنية من خلالها يرتكبو افظع الجرائم وشعب ارهقته الانقلابات ولم يعد يملك منطق وقد اصابه الاعياء و مسه شيء من الجنون ولديه ما يكفي من الانتماءات ليكره بعضه بعضا . يسعون وراء المكرمات التي يغدق بها صاحب الامر والنهي لذا كل ما نسعى اليه هو بناء عش من الحراب .......لم تعد هناك من كياسة و حمامةالاخلاق لا تستطيع مواجهة صقر راس المال الاسود فالمعركة معروفة النتائج.. مصيبتنا يا سيدي اننا ننقاد الى ما يجب ولا نتعض بما حدث
- تقصد النفط
- انه قيء الشيطان او اللعنة الكامنة في باطن الارض تلك الحقول الجهنمية التي تلوث الاجواء وتصدر مقابل ملايين الدولارات ليخلق الحاكم بها طبقة من الاثرياء لاتتعدى المئات يسخر لها الالاف من القتلة مهمتها هتك الاعراض وسلب روح الابرياء اذا ما ابدو امتعاضهم........... او خوض حروب التنمر التي تنتهي عادة بهزيمة شنيعة تطبع شفاه جنودهم على احذية الغزاة المغبرة انها اللعنة التي تضيء العالم وتبث الحياة فيه من روحنا
.....هذه الثروة لا تحتاج الا لرجل يبدأ بقتل معارضيه ثم يتعود ان يكون سفاح يرتدي الزي العسكري ويملأ سترته بالنياشين وكتف تحتشد عليه النجوم والسيوف والنسور ليمحو بها عقد تؤرقه ويبحث عن مجد ومن اراد المجد ليخلده التاريخ عليه ان يغرس حربة في صدر الضمير .
هذه الثروة لا تنضب لعشرات السنين وما تاتي به اخشاب ادمية تديم النار في اتون الاضطهاد ليستمر الاستبداد والمستبد دائما ما يقود ادارة الشؤون العامة باسلوب يخدم مصالحه .
حيث يستخدم اعظم العقول لارتكاب اعظم الرذائل من خلال تاسيس معسكرات للقتلة عيونهم سجون وافكارهم زنازين
ولا يتورعو عن حرق اجساد البعض ونثر رمادهم على الاخرين لدفن ارادتهم وكسر شوكتهم كما فعلو في ساحة التحرير ويفرض عليهم الايمان بما هومخالف للقانون ليكون القانون الذي يرتكبو به الفظائع وبالمقابل التنافس بين الشرق الاحمر والغرب الراسمالي يجعلهما يغضان الطرف ويتوددان للحصول على امتيازات ولسان حالهم يقول
هذه هي مبادئنا ان لم تعجبك لدينا غيرها طالما نحن في مامن من شرورك لمعرفتنا بقدراتك الهزيلة التي لاتنال الا من مواطنيك
عندها ردد ابو اكرم
- يوسف...!!!ما رايك بما سمعت
- الوطن هو حيث يكون المرء بخير
-والارض التي نحيا عليها ماذا تسميها
- ارض مباركه غير ان من يسكنها يعاني البعض من البعض الى حد الجنون
- ولم الجنون
- لاننا منذ مئات السنين نفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة لنغير ما نحن فيه فخداعنا لاندركه لاننا نكذب بصدق لا ادري لعل الغزاة تركو ما يكفي في .الارحام ليحمل البعض من احفادهم سلوكهم واخلاقهم.و المصيبة انهم دائما يتطلعو للاستيلاء على السلطة ومثلهم الاعلى في ذلك غلمان القوقاز الذين تربو في قصور الولاة ثم انقلبو عليهم ناسين او متناسين بانهم كانو في يوم من الايام تنظف اسوتهم وتعطر من اجل متعة الولاة ..........والذي اعرفه ان جند الغزاة هم اسوأ الكائنات و اشرسها اذا لم يكونو انذلها فكيف الحال اذا كانو في صغرهم قد خصي الكثير منهم ليكونو مأبونين.....هكذا يخبرنا التاريخ
قالها يوسف وبدا يهيا مائدة تتوسطها زجاجة المستكي وتحيطها مزات من اللبن والباقلاء والليمون اخذ يتفنن في تنسيقها التفت الى صلاح ماد يده الى المائدة
- ما رايك
- في ماذا
- فيما سمعت للتو
- الامر ليس غريبا المماليك معروفين بصبيان الولاة القادمين من القفقاس مقابل دراهم ......ويتم اختيارفائقي الحسن فقط وعظمة الامبراطورية العثمانية كانت تتفوق برفاهيتها عما وصلت اليه كل الامبراطوريات التي سبقتها. وخبراء التجميل فيها كانو يبرعون في عملهم بشكل لا يصدق حتى ان بعض ما يبرعون فيه يعجز اقرانهم اليوم على الاتيان بمثله انهم كادو ان يجعلو من الصبيان القوزاق لؤلؤا منثورا
- علاوة على الجواري و الحريم القادم من اقاصي الشرق والغرب حقا انه عالم من الجنون
ضحك صلاح و ردد
- على ذكر الجنون .....لا ارى الا زجاجة مليئة بالجنون
- وهذا الجنون عقار للوعي البائس الذي نمتلكه ولانستطيع التخلص منه ليهمد هذه الليلة بما تيسر من كؤوس
- دون الخروج عن الاعتدال وانتهاك حرمة الروح
سال ابو اكرم
- وكيف
- نكف حين يدب دبيبها
- ولماذا نكف
- لاننا سننتهك حرمة الروح والجسد
- وهل تستطيع فعل ذلك
- تعلمت ان اسيس الحيوان الذي في داخلي بسوط الارادة والا اصبح مهرج في جلسة تعج باللئام مع الاعتذار
- حسنا مارايك بكاس
- ولم لا اذا كان الامر لايتعدى حدود الكاس
- اذن فليكن كاس مزدوج
احتسى صلاح جرعة تبعها باخرى والتفت الى ابو اكرم متسائلا
- لايبدو عليك الانتماء لهذا المكان
-بل ولدت وترعرعت هنا
- في شيخ سعد
- على مقربة من شيخ سعد عند قلعة كوركيس
ردد مازحا
- .وهل هناك كوركيس غير الذي ترك لي هذا السرير وقد تبرع به صباح اليوم
- نعم هناك كوركيس اخر في هذا المنفى
جدي لوالدتي كاترين ويمتلك اكثر من الفي دونم تمتد من الجباب وحتى الشهابي بمحاذاة النهر والقلعة التي في الجانب الاخر لدجلة ما زالت اشجار التين تنتصب وسط الخرائب تؤمها البلابل جيل بعد جيل تنقر لتصنع فجوة ثم تزرق حبات التين بماء النهر وتتركها لتعود اليها في يوم اخر لتحتسي خمرا وتغرد بالرغم من الاشراك التي ينصبونها لتباع في اقفاص
- يبدو ان جدك كان لديه من يحصد بعد ان يزرع الاخرون
- بل كان يزرع ويحصد مع من معه
- اعذرني اكاد لا اصدق ما اسمعه هل تمزح معي تريدني ان اصدق الاف الدونمات مع تولستوي عراقي
- هكذا هو الامروالحقيقة عندما تدفن لايطول بقاؤها في باطن الارض ولا بد ان تنبت مهما طال الزمان قد لا تصدق ان والدتي اول امراة في البلد قادت تركتر لتحرث الارض منتصف الاربعينات
- وهل سمح لها والدك بذلك
- بل كان يشجعها على فعل ذلك
- جدك مسيحي
- فقط بالاسم
- تعني مسلم
- لم يعر اهتماما لمثل هذه الامور
- وكيف ذلك
- مثلما ترى ها انذا امامك لام مسيحية واب مسلم
- وكيف .... اعني ...والدك
- والدي ابن لفلاح كان يعمل في المزرعة خطفه قايش المضخة وقتل في الحال وبعد عام لحقت به زوجته وتكفل الشيخ كوركيس بتربيته ثم زوجه من ابنته
- انها حكاية غريبة لايمكن ان تصدق في زمننا هذا........
والمزرعة ما الذي جعلها مهجورة بدوانمها؟
- وزعها الاصلاح الزراعي في عهد قاسم الى عدد من الدوانم الصغيرة بين الفلاحين و سرعان ما بدات المشاكل تاخذ طريقها لينشب النزاع فيما بينهم وخلقت العداوات وفقدت الشيوخ قدرتها على ضبط الامور حتى تركها البعض لائذين باعمال بائسة في العاصمة ولم يعد هناك من يسعى الى اصلاحها سبخت وعلاها الطرطيع واصبحت يبابا لا احد يسأل عنها او يعيرها اهتماما اما القلعة تحولت الى اطلال ومع مرور الايام تحالف الزمن مع يد الخراب التي لم تتورع ان تسرق كل شيء يقع في متناول يدها بعيدا عن انظاري و احيانا يجرؤو على فعل ذلك امامي باسلوب لايخلو من الوقاحة و الاستهانة او الاستخفاف مع الحيلة والدهاء في هذا البلد لا تحترم الا خصوصية الاقوياء ولا يوجد قوي الا من يحكم والاخرين املاك خاصة له .......لذا ترانا كالعبيد لايطيق بعضنا بعضا وفقدنا الاحترام حتى وصل الامر الى ان يكرهنا ابناءنا ويريدو ان يرثونا ونحن احياء بل يخاصمونا ليستولو على ما نملك ويستبدو برايهم بتشجيع من امهاتهم
- ما زلت تسكن فيها
- مازلت غير قادر على تركها لانني شخت و امتلا الجسد بستين عاما ولم اعد اتحمل المزيد من اعوام اخرى نلت من الحياة ما يكفي ولا احد يستطيع ان يغير من قناعتي وهذا هو سبب الخلاف معهم لم يعد هناك ما اسعى اليه سوى ان املأ حبة التين بماء دجلة لاحتسيها في اليوم التالي واغرد امامك غير اني اخاف من شرك ينصب لي......على اية حال لايهم طالما انا في سن بدات شعلة الاحلام تتحول فيه الى رماد وكل ما علي انجازه هو كنسها
عندها نظر صلاح الى يوسف ليرى ما رسم على وجهه من انطباع لسماعه ما دار من حديث ويتاكد من صدق ما سمعه من ابو اكرم ردد يوسف
-ما زالت القلعة موجودة ومعها مائتا دونم هي ما تبقى له سنزورها في جمعة ما عندما تنوي البقاء في البلدة ولا تقرر الذهاب الى بغداد ستجدها خرائب لعهد قريب قد مضى وبلدنا مليء بمثل هذه الخرائب مصيبتنا ان الكثير منا يحب ان يعيش في الخرائب لانه لا يطيق ان يرى ما شيده من سبقه
- ولم لم يسعى الى اعمارها
- الاعمار يحتاج الى مال ورجال لا الى ابو اكرم الذي بدات اوراقه تتساقط ويعيش خريف العمر بنصف راتب مع امراة لا تطيقه وابن يناصبه العداء ويرغب بالتخلص منه متى ما سنحت له الفرصة
وهنا تدخل ابو كرم وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة
- لا ادري لم هذا السلوك العدواني منهم او من البعض الذي يجاورني او من يفرض علي جواره...... فجاة ودون سابق انذار...... كل ما اريده ان يدعوني وشاني لااستطيع ان اهرب بعيدا عن اضغاث احلام تراودني وانا في تلك الاطلال لو كان لدي غرفة مليئة بما ارغب من كتب واسطوانات لموسيقى عالمية وقبو مليء بخمر من الكروم التي ازرعها وما تبقى من عمر يكفي مع صحبة امثالكم ومساحة لا تتعدى الدونم مليئة بالاشجار بعيدا عن الذين يتسللون خلسة لتجدهم يجاورونك طمعا في رحمتك ومن ثم يزداد عددهم و اقترابهم منك ويبداو بمضايقتك ويحولو حياتك الى جحيم وينتابك احساس بانهم مصممين على ازاحتك بصلافة وجراة
الاف الدونمات التي ورثتها وصادرها مني الزعيم الاوحد لو خيرت ان اعطيها لاعطيتها عن طيب خاطر مقابل دونم بعيد عن هؤلاء ......يطل على دجلة ذلك النهر الصامت كصمت الريم الشاهد على احداث رقدت الكثير منها في جوفه..... بوجهه الناصع كالبلور وماؤه الذي يتلون احيانا بلون الزيتون كلانا يعيش الوحدة الاليمة يحيط بنا اناس عاشو القسوة و قلوبهم لاتنفث دماء بل نار براكين تحرق العاطفة ......مكبلين بسلاسل الغدر والنفاق يحرضون بعضهم بعضا على العنف قلوبهم شتى واهازيجهم تصم الاذان وتوصد الابواب و النوافذ على الافكار لتؤسرها انهم اناس هرب الكثير منهم من ظلم الاقطاع وعادو ضحايا يقلدو الجلاد.....هذا النهر الخالد يرمى به في ملح الخليج ومع ذلك يصر على البقاء بانتظار الايادي القوية والقلوب الطاهرة التي تجعل من الحقل محروث والعناقيد ناضجة بدل الضياع انه يسعى غير ان سعيه عقيم بمياهه القادمة من الينابيع الخجولة وهدايا السحاب.... النابض بالحياة..... بضفافه المفعمة بعطر الورود و رائحة الطين الحر مع الاعشاب الندية........ما زالت مويجاته تشاكس خيوط الشمس والقمر ترقص محتضنة الضياء لتعكسه بفرحة.........هل انا طامع عندما ارغب بخصوصية الزهاد.... ........ دون ان اكون ذليل لاحد او اسير بلا ذنب ... ما رايك صلاح ؟؟؟ لعلي اترعت في الشراب واصبحت لا اختلف عن الباقين وعدت لا املك سوى الطلاقة في الحديث والكلام البارع غير اني لا رغبة عندي في الانتقام وبالرغم من كرهي لكلمة التسامح غير ان عيبي بانني لا اجد افضل منها....نحن نعيش وسط امة وضفت الموت ليعمل بها ما يشاء
شعر صلاح بتانيب الضمير وردد
-اسف لما بدر مني اعيب على نفسي اندفاعي احيانا اكثر من اللازم واتفوه بكلام لا معنى له
- لاعليك هكذا نحن دائما .... خلال هذه الساعات القليلة وجدت فيك شخص اعرفه من سنين نحن نتكلم بلغة مشتركة لايفهمها الا امثالنا الذين لا ينحازو حتى الى رايهم اثناء احتدام النقاش
-اشكرك سيدي على اطرائك هذا غير ان هناك ما يشغلني دائما
- ومالذي يشغلك
- شيخ سعد الذي لم اراه ولم اسمع احد يتحدث عنه
- انها اسماء المدن هكذا هي قد تتعلق بشخص ما او ندبة جغرافية او حدث تاريخي
- ترى من يعرف لماذا سميت هذه البلدة بشيخ سعد
ابتسم ابو اكرم واحتسى ما تبقى في كأسه وردد
- انها حكاية طويلة قد تكون اغرب من الخيال لم يسأل احد قبلك هذا السؤال
نظر صلاح الى يوسف فأجاب يوسف
-لم يخطر ببالي ان أسأل عن ذلك ولماذا أسأل لايهمني الامر انه مجرد اسم لشيخ قد تكون هذه البلدة من املاكه سابقا ولكنك اثرت فضولي عندما قلت انها اغرب من الخيال
- انها سميت بهذا الاسم لانها اراض يملكها ذلك الشخص الذي يدعى بشيخ سعد ورثها عن والده مع اخوته وهيمن عليها بعد ان ازاح اخوه المريض بمرض لاشفاء منه لينتهي بعد سنوات وهو في عز الشباب ثم يلتفت الى اخواته الاربعة ويزوجهن الى اتباعه مع ما ينص عليه العرف العشائري بعدم توريث الانثى لينفرد بأمتلاكها وهى الاف الدونمات تمتد على ضفتي النهر كان مهيب الجانب يخشاه جميع من يعرفه ولا يتورع عن استخدام سيفه او بندقيته لمن يقف في وجهه يتجول في ارضه راكبا حصانه متدثرا بعباءته المصنوعة من جلد الحملان في الشتاء تبرز منها فوهة بندقيته متلفعا بكوفية يحيطها عقال وقد رمى اذيالها الى الخلف بعد ان غطى بها وجهه ولم تظهر سوى عينيه الحادتين كعيني صقر جائلا بها في وجه من يلقاهم في طريقه .......وفي احد الايام وبينما هو يستعد للخروج الى احد معارفه تلبية لدعوة وجهها اليه ذلك الرجل والذي كانت لديه ابنة غاية في الجمال حيث كان هناك شبه اتفاق بينهما على ان يخطبها .....
طلب من الطفلة السوداء والتي تعمل على خدمته وهي لم يبلغ الاحد عشر عاما ان تعطيه زبونه الانيق والثمين المصنوع من القطن والمطرز بخطوط طويلة من الحرير والمصمم لمثل هذه المناسبات والذي حيك في القدس واهداها له احد اصدقاءه من تجار الحبوب في بغداد بعد عودته من الحج حيث كان البعض وهو احدهم يمر بفلسطين حيث القدس لاكمال حجته كما جرت العادة
تأخرت الصغيرة السوداء في تلبية طلبه ثم جاءت بالزبون ونسيت ان تضعه تحت الافرشه المكدسة على المحمل الخشبي وكانت هذه عادتهم في ذلك الوقت لكي القماش ولما راه كومة من الخطوط المتعرجة ثارت ثائرته وامتلا غيظا ثم امسك بمقبض سوطه الجلدي المظفور وفرقع بلسان السوط في الهواء وهم بضربها فما كان من تلك الصغيرة السوداء الا ان تكومت امامه تنتظر لسعة السوط نظر اليها كان الرعب قد ارتسم على وجهها وهي تنظر اليه نظرة من يتوسل وقد فقد الامل في رحمة من جلاده وفجأة توقف وقد اصابه الهلع من تلك النظرة وارتخت اصابعه ليسقط مقبض السوط من يديه فما كان من تلك الصغيرة الا ان نهضت ورفعت نفسها على ساقيها الصغيرتين وتحركت وهي تيمم نحو الباب وتتمتم بفمها الصغير بكلمات التوسل والدعاء له .......نظر اليها وهي تركض حافية هزيلة واهنة بثوبها الاصفر المهترىء وسروالها الازرق الطويل الممزق.............. وقف ساكنا لا يتحرك كالتمثال ثم ردد مع نفسه كانت تنظر بفزع نحوي وكانني شيطان ارتعش جسده بقوة وكانما صب عليه ماء جليدي وغزت احاسيسه موجة من الرحمة والعاطفة بدأت تزيح ما علق من صدأ في روحه وانهار الحاجز الذي يفصله عن الحقيقة حدق في سيفه وبندقيته و زبونه الذي تكوم على الارض وبقية الاشياء في غرفته وساد سكون يفوق احتماله وشعر بأن كل ما يفعله ليس اكثر من غرور كاذب وان كل ما يطلبه هو الراحة حتى لو كانت الموت بعينه عليه ان يتجرد من وحوشية تسيطر عليه لا عقل لها .....شعر بان كل ما يعرفه يغطس في اعماق بحر الحياة ولم يبقى سواه عليه ان يعوم ليصل الى ضفاف الخلاص ..... خرج نظر الى السماء كان السكون موحشا في ذلك الغروب التشريني..... بدأ يجري وهو كالثمل لا يحتفظ بتوازنه يجري متعثرا وقد تحرر من كل شيء واختفى وسط الحقول المحروثة
صمت ابو اكرم وعيون من معه تحدق به تحثه ليكمل بقية هذه الحكاية الغريبة امسك بكأسه وبجرعة واحد ابتلع ما فيه ثم تابع يقول
- اختفى ذلك الشيخ ولم يعد يراه احد ومضت السنوات سريعة فثارت حوله الاقاويل وتبين فيما بعد بانه كان يهيم على وجهه لا يلوي على شيء وبدأت تنسج الكثير من الحكايات حول معيشته في الكهوف يقتات على ما في الارض من جذور و اوراق وثمار حافي القدمين بلباس بالكاد يستر عورته كث اللحية وقد نمى شعر راسه ليصل الى منكبيه
وفي احد الايام ظهر بالقرب من دجلة وجلس على بعد مسافة قصيرة من صيادين قدما من علي الغربي ليقضيا ليلتهما في العراء يشويان السمك ويعملان الخبز بعد ان اوقدا النار تحت صفيحة معدنية ....... كانا لايعرفانه ولم يسمعا بحكايته وظنا انه بائس جائع يحتاج الى الطعام واعطياه ما يسد رمقه في صحن من الفافون وقضيا ليلتهما في ذلك المكان وعند الفجر ركبا الزورق وبدءا بجمع الشبكة وبينما هم على هذه الحالة وسط النهر شاهداه وهو يرفع الصحن المعدني ويتجه نحوهما اصابهما الذهول ولم يصدقا ما شاهداه اجتاز النهر سيرا على سطح مياهه ليسلم لهم الصحن ويعود من حيث اتى لم يصدق احد حكايتهم غير ان البعض في القرية شاهدا ما حدث وانتشرت الحكاية بين الناس ومن اثرها لم يعد احد يشاهده
ردد صلاح وكانه صدق ما سمعه على لسان السكير الذي يجلس قبالته
- انه وصل الى قدرة تفوق قدرتنا على فهم واستيعاب ما فهمناه في الحياة التي نعيشها ..............متى ما تطهرت الروح تصبح المعجزات امرا غير ذي بال بنظر من يقوم بها ....انها ومضة الحقيقة التي حصل عليها من خلال الندم بعد الخوف الذي سببه لتلك الصغيرة
- وذلك ما اود قوله..... صلاح الوعي الذي لديك تجاوز البؤس الى اللامبالات لذا انت تختلف عن يوسف لانك تؤمن بالانسانية بلا انتماء وعواطف تثير الغوغاء
رد يوسف وهو يداعب بالشوكة حبة زيتون
- وما العيب في العاطفة من اجل السعي للدفاع عن المحرومين
- العاطفة قد تتمادى احيانا وتخرج عن الاعتدال لتنتهك حرمة الانسان و تتحول الى مقايضة للحصول على مكاسب ومناصب
قالها ابو اكرم وهو يربت على كتف يوسف ثم تابع
- دكتاتورية البروليتارية لاتختلف عن الدكتاتورية التي نراها في وطننا اليوم فهي تصنع اسياد ذو مخالب وانياب لاتكتفي بافتراس اعداء الثورة التي عادة ما يصنعها ابطالها ويرثها انذالها الذين سرعان ما يفترسو شركائهم وتساق شعوبهم من اجل الوطن كالعبيد الى محارق نزواتهم وما نسمع به ونراه الزعيم الشيوعي لايختلف عن الاخرين في المعارضة ضميرا دون سلطة وفي الحكم سلطة دون ضمير .. ........وحتى العبادة فرضت على الفقير لينسى ما هو فيه من بؤس ومن فرضها يجعل من نفسه ولي امر الرعية ولا احد يجرأ على مسائلته لانه جعل من الله كما وصفه بني اسرائيل ليخدع به اغنياءهم فقراؤهم ونسى ان الله هو الرحمة التي نهبها للاخرين عندما يكونو بحاجة اليها و العطاء واعطاء جزء مما نملك لمن يحتاج عن طيب خاطر
تبرا ماركس من الماركسية لانه عرف ان من ياتي بعده سيجعلها مطية لاستلام السلطة وبحجة العدل يخلق ديكتاتوية ويسلط الرعاع و الغوغاء لينكلو بالاخرين دون المرور بصندوق الاقتراع .....بالرغم من كرهي لها فالراسمالية ضرورة تاريخية لا يحددها زمن تعطيك التطور و الانتاج الغزير لخلق الوفرة..... والوفرة تخلق الوعي الذي يعطيك . طبقة وسطى مثقفة تلك الطبقة التي تسعى حثيثا من خلال الديمقراطية نحو الاشتراكية شيئا فشيئاو لايمكن لرجل السلطة والذي عادة ما تقوده نرجسيته الى ان يكون شيطانا امام الجهلةو غبي يثير السخرية امام المتنورين الشرفاء ولا يستطيع ان يخدعهم بكلامه الثوري المعسول مثلما يخدع السذج من الجاهل المتعاقل الذي يتحين الفرص وينتظر اللحظة المناسبة للبطش بمن يخالفونه الراي ويهزأو من غباءه وهذا هومصير الثورات في المجتمعات التي يسودها الجهل تلك الثورات التي لديها القدرة على تحطيم كل شيء ولا تستطيع اعادة بناءه واذا ما استطاعت البناء فانها تبنيه مشوها
وبصوت لايخلو من عتب وكانه قد تعود على ما يكيله ابو اكرم من كلمات قاسية للماركسية اللينينية
- وهل الراسمالية تمتلك الضمير
- من قال لك ذلك....بعض الانظمة الراسمالية كالنظام الامريكي خطا ارتكبته الحضارة وقد يكلفها وجودها .....المصيبة ان هذا الوحش بدا ولا يعرف كيف يتوقف .....وهو لا يستطيع ان يرجع بالزمن الى الوراء ليبدا من جديد العالم ......بات رهين اليد التي باعت نفسها للشيطان ....انها ارض البنوك التي صممت لتربح بافعال بغيضة يمليها الوغد الذي يملكها على اناس جفت ينابيع الانسانية لديهم وباتو شبه الة تطيع الاوامر مهما كانت جنونية . وهو يحرك المجتمع وفق ارادته ومتى ما شعر بالخطر ملأ حقائبه وفر بنقود جمعها من السذج وترك المجتمع يتخبط يمينا وشمالا ولان السلطه لا تريده ان يهرب سعت جاهدة لحمايته من خلال يد تمسك بزناد لتطلق النار على من يخالفها الراي و احيانا من اجل المتعة وبناء على نصيحة الغول تجتاح العالم وتعبر الحدود لتبحث عن المتاعب وعندما تجدها يتم تقديرها بشكل خاطىء وتطبق اساليب خاطئة لعلاجها وتترك شعوبا لا تطيق رؤيتها وتترك جروح لا تندمل... امريكا لم تتعلم شيئا من التاريخ لانها لا تملكه لذا تراها دائما تستخدم الوسائل القذرة لتحقيق غايات نبيلة وبالتالي تتحمل وزرتلك الوسائل دون تحقيق تلك الغايات.... يا صديقي الفرق بين السوفييت وامريكا هو ان الاول يسمح للفقراء بان يكونو فاسدين من خلال المناصب الحزبية التي يحصلو عليها بالرياء والتملق والقسوة المفرطة والوطنية الزائفة بل لم يكتفو بذلك تقاسمو النفوذ عبر الانقلابات واطلقو يد غلمانهم للفتك بالشعوب المغلوبة على امرها بحجة دكتاتورية البروليتارية والثانية يتربع اغنياءها على عرش الثروة التي غنموها من خلال الجريمة المنظمة والغش و الفساد ضمن الحرية التي تضمن لهم الحماية من المسائلة واقناعا ملزم للاخرين من الطبقات الكادحة بان ينتخبو المتحذلقين والمنافقين من مافيات السياسة كل اربع سنوات في احسن الاحوال او نصب جنرالات الانقلابات التي يخطط لتنفيذها في البلدان النائمة
كلاهما يصنعا رجال بلا اخلاق ويتم اطلاقهم على العالم كوحوش كاسرة
- وما البديل برايك
- لو كان هناك بديل لما وصلت الامور الى ما هي عليه هنالك عدالة دون قوة اصابها الاعياء ورقدت تحتضر... وقوة دون عدالة مستبدة فعالة لا تتورع عن ارتكاب الحماقات و لايردعها احد باستطاعتها وعبر مكر شيطاني ان تمتلك بارومتر لقراءة نوايا الناس والنيل منهم . ..... كل شيء يتغير نحو الاسوا الا الانسان فهو الذي يصنع الاسوأ ولانه كائن كسول فهو يصنع الكثير من الاشياء المفيدة لاشخاص عديمي الفائدة يتغلب عليهم الطمع و ابواب السلطة مقفلة لا يملك مفاتيحها الا ذوي الطموح وهذا الطموح مركبة تندفع بجنون تسحق كل من يقف بوجهها مزودة بوقود الانانية من اجل السيطرة والتمتع باذلال الاخرين والطماع عادة ما يقع في شرك غرائزه ويجر معه امة انانية غافلة.... لذا تستمر الحروب والتي هي اقرب الى الجنون لان من يمارسها يمارس نفس الشيء مرة بعد مرة ويتوقع ان تؤدي الى نتيجة مختلفة ...
الكثير منا ما زال اسير بهيميته انها كامنه فينا وتظهر باستفزاز ينتابنا يتحالف مع الغرور و المصيبة ان هذه البهيمية تمادت في حماقتها ولم تعد تابه بكوارث محتملة كنتيجة لهذه الحماقة نحن بطبيعتنا كائنات نتكاثر بجنون لاستنزاف كل ما حولنا من موارد عبر تسخير الالة دون عناء يذكر او التفكير بما ستؤول اليه الامور مما خلق حالة من العدوانية المستمرة للنيل من بعضنا البعض ثم من الكائنات الاخرى حتى وصل الامر الى حد وضعها في اقفاص في احسن الظروف هذا اذا لم نعمل على ذبحها لا لاكلها فقط بل لتجميدها واكل القليل منها ثم رمي ما تبقى في المزابل او التزين بجلودها وتخريب ما انجزته الطبيعة خلال ملايين السنين من يصدق خلال مائة عام تضاعفنا اكثر من عشر مرات بالرغم من الحروب العالمية وتكاثرنا انصب وبال على كل ما يحيطنا لينقرض الاف الانواع من بيئة وحيوان ونبات نحن لا نختلف عن بعض الضواري عندما تترك سوائلها لتحذر الاخرين وترسم حدود مكانها انها الاقليمية التي لا نستطيع التخلي عنها...... بها وجدت الخارطة للجغرافية السياسية غير ان الفرق بيننا وبين الكواسر شيء مهم يبين انها اكثر حكمة منا بما تمتلك من النواهي الغريزية والتي يكف فيها المنتصر احيانا عن الفتك بالمهزوم الذي يعلن هزيمته باظهار الاماكن التي يمكن ان يفتك بها غريمه عالنا بذلك الكف عن الصراع وبامكانك ان تلاحظ ذلك عند الذئاب والكلاب
من بين الحروب القادمة خلال المائة سنه القادمة هناك الحرب الاخيرة
- الحرب الاخيرة....؟؟؟؟سال صلاح وهو يصغي كانه وجد من يتكلم بما يفكر
- الحرب امر لايستطيع البشر مهما ملك من نوايا طيبة ان يتفاداها . . انها مثل بقية الاسرار التي يدعي العلم معرفتها ويقف عاجزا عن تجنبها . .كالاعاصير والزلازل تاتي على حين غفلة ولاسباب غامضةولاتعطي سوى انذار بوقت لا ينفع وكانما هنالك قوة اكبر من الارادة التي نمتلكها بالحفاظ على حياتنا ...... الحرب على مر التاريخ استمرت لسبب بسيط .... قديما كانت هناك فسحة للافلات منها لمن لا يرغب في خوض غمارها والعالم لم يكن مكتظا بمدن الملايين كما تراه اليوم و لا يوجد جيش لايقهر لذا الذين لايرغبون بخوضها بامكانهم الفرار الى اصقاع اخرى قبل وصول الغازي حيث لا عسكرية الزامية ولا حدود لا جوازات ولا اجهزة ترصد و تعتقل ثم تقتل اما اليوم استطاع الانسان ان يطور من ادوات الفناء ما يقض مضجعه و ينذر بكارثة كما ان الزيادة المطردة بعدد السكان والتكاثر المرعب بشكل يخالف نواميس الطبيعة ويخل بموازين الحياة ...... جعل من الحياة شيء لا يطاق ....منذ الالاف السنين عاش البشر بادوات بسيطة وباعداد محدودة يعتمدو على ثروات لا تنضب .... فندق الارض لم يعد يتحمل الكثير من النزلاء و التكاثر اليوم يدفع الكثيرين بجنون محموم للاعتداء والفتك ببعضهم و بالشركاء الاخرين من حيوان ونبات لذا بدا التوازن البيئي يختل........ الكثير لا يعلم ان الطبيعة ترفض ان تروض من قبل كائن اناني ولديها ما يكفي من وسائل و اسرار تدافع بها عن نفسها و تفاجاه بها اذا لم يرعوي فنحن نعيش في كوكب محشورين فيه لانملك غيره ولايمكننا التخلي عنه ومغادرته الا بشق الانفس والى المجهول ....محدود بموارده ولا يكفي لاشباع نزواتنا العلمية واشباع غرورنا والهيمنة الكامنة في نفوسنا . اننا نصل دون علم الى عتبة التغيير ونصر ان نفتح كيس ايولوس . طالما بقيت الحضارة بمزيتها العسكرية ولا بديل مقنع غير هذه المزية التي تندفع ويندفع معها الافراط المرعب في امتلاك ادوات الفناء التي ستجد طريقها بالمستقبل المنظور الى الامم المتخلفة وتردم هوة الفوارق التكنولوجية ومع اذكاء النزعة القومية والدينية وبالتالي نحرض انفسنا بغباء على استخدام ادوات فنائنا دون وازع من ضمير اننا ضحايا ما صنعنا لاننا نقتات على الطبيعه ولا نستطيع تعويضها لذا ترتكب الاخطاء من خلال التجديد الذي يرافق النمو المضطرد خلال المائة عام التي مضت........ وكل ما نفعله وسنفعله نخالف به ناموسها وهي شديدة المراس متزنة ذات تجربة تمتد لملايين السنين و ليست مثلنا حديثي عهد بما نفعل بتجربة لا تتعدى بضعة الاف من السنين مليئة بالاحباطات.... فاذا ما اخطات تستطيع ان تعود ادراجها لتصحح ذلك الخطا فالتوازن الرائع لديها يجعلها غير مبالية بالاخلاق بل بما هو اهم والاهم هو ما نسبة وجودنا الملائم لوجود الاخرين من كائنات....... . لذا مهما حاولنا وبذلنا من مجهود لصياغة ما هو مخالف لها تؤدي تلك المحاولات الى فشل لاتحمد عواقبه لاننا نسلك طرق سهلة تؤدي الى لا شيء من خلال تكرار كذبة لنصنع منها حقيقة نخدع بها انفسنا قبل غيرنا ........عبر الاغلال التي نبجلها وجدنا امم تتفوق احداها على الاخرى وتتباهى بهذا التفوق بل تستهين بالامم الاقل شانا استهانة تصل احيانا الى الغزو ونهب الثروات وزرع الافكار المنحرفة لذا خلق بون شاسع بين امم متعجرفة غنية واخرى فقيرة جائعة تتطلع بعين الحسد وتنتظر اللحظة المناسبة للانتقام عبر سلوك عدواني لا يعير اهتماما للنتائج المدمرة. فتلك الامم البائسة التي تشعر بالمرارة مع مرور الوقت تزداد يقينا بأنها لاتملك ما تخسره سوى الاغلال المفروضة عليها لذا تخدع نفسها و تؤمن بالتطرف الذي قد يهدم المعبد على من فيه ولسان حالها يقول اذا مت ضمان فلا نزل القطر ...... وقد تشهد العقود القادمة زيادة في السلوك العدواني المتطرف تدفع بالبشر الذي يعاني من شظف العيش الى النظر بعين الحسد والحنق والغضب ليصل الامر الى سلوك التمادي دون رادع والتفكير بالاستشهاد الذي يضمن الفردوس مقابل الفتك بالاخرين وبلا رحمة لذا الحروب القادمة لاتحدد من هو المصيب لانه لايوجد من هو الباقي والحروب التي مرت خير دليل على ذلك تصورو معركة اوفر لورد او ما يطلق عليها انزال نورماندي للحلفاء على السواحل الفرنسية في الحرب العالمية الثانية بدات عند شروق الشمس وانتهت عند غروبها ذهب ضحيتها اكثر من ربع مليون باسلحة لا تعد شيئا امام الاسلحة الموجودة في عالم اليوم وما يخبأه المستقبل القريب من مفاجات علمية منحرفة
نهض ابو اكرم بعد ان اجهز على ما تبقى في الكاس واطبقت شفتيه على فلتر سيكارة بغداد وكانت الاخيرة في العلبة ......انتصب شد حزام بنطاله و غادر صاحبيه مرددا
- البطولة احيانا تنجب الرذائل ومن هذه الرذائل ترتكب افضع ا لحماقات
لو تعقبنا ما نطلق عليهم الفاتحين العظماء عبر التاريخ لوجدناهم كالبعوض يتكاثرو في مستنقعات الفقر و الجهل ويتطلعو الى المجد وعندما تاتي اللحظة المناسبة سرعان ما يمتلكو جناح وخرطوم مدبب صلد ينقضو به في غفلة من الزمن على النائمين او الصامتين او المهادنين ليمتصو دماءهم وينقلو مرض الفوضى التي سرعان ما تندفع من خلال فتحات مرجل يغلي بجنون ليصب غضبا عبر مواسير الفتوحات ليجتازو الحدود وينشرو الموت والدمار......
التاريخ ليس اكثر من اساطير لشخوص تتوزع بين من يكرهها ويحبها والاساطير ...... اكاذيب نعشقها لانها تمجد اوتنال حسبما نهوى و نريد عبر ما سمعناه من الاهل على مر الاجيال.....خذ مثلا على ذلك نابليون وهتلر وستالين والمئات غيرهم على مر التاريخ.
وقبل ان يفتح الباب ليخرج
دخل ابراهيم ومع دخوله انطفات الكهرباء بعد ان جاوزت الساعة منتصف الليل بدقائق . وساد ظلام دامس ومن خلال العتمة سار ابراهيم ملتمسا طريقه بيده ملامسا الجدار وهو يتمتم مرحبا بفتور بالذي خرج للتو واجتاز الممر الى الباحة ووقف يتفحص الشخص الذي جلس الى جانب صلاح وهو يردد
- من ابو يعقوب
- اهلا ابراهيم
قالها يوسف ببرود وساد صمت وسط الظلام ومرت فترة قصيرة دخل خلالها ابراهيم الغرفة واضاء الفانوس وغير ملابسه وخرج رافعا ذلك الفانوس يتمعن في وجوه الجالسين ونظر الى ما تناثر على الطاولة من بقايا انتصبت وسطها زجاجة المستكي الفارغة تحيطها كؤوس ثلاث وردد هازئا بابتسامة من زاوية فمه
- صلاح كيف وجدت حديقة الفلاسفة
- مفعمة بعبير الافكار الرائعة
-ولكنها خطرة اذا ما سمعها احد الرفاق
- وهل يفهم الرفاق شيء منها
-انهم شياطين تربو في احضان الشيوعية قبل ان ينقلبو عليها
- ولكنهم اليوم شركاء في الحكم
- شراكة الذئب والحمل متى ما اختلفو نال القوي من الضعيف
التفت صلاح موجها السؤال الى يوسف
- مارايك
- في ماذا
- فيما سمعت
- دعك منه بتقيته لا يستطيع احد ان يدينه فهو مع القوي اذا ما تطلب بقائه ذلك وقد لا يرحم المساكين امثالنا
- وهل يستحق صاحبك الهرم العبقري السكير الذي اودع كل امكانياته الهائلة في صندوق الخيبة الرحمة اعطاه الله جوزة . غير انه لم يجرؤ على كسرها ليتلذذ بماؤها ولبها....... تاركا المزرعة والقلعة والعائلة واللغات الثلاث التي يتقنها علاوة على اللغة العربية وهي اختصاصه كمدرس واكتفى بنقاشات بائسة تتبادلان فيها الكذب ثم يصدق احدكما الاخر.... تريدان تغيير العالم وانتم في برجكم العاجي تحتسيان الجنون كاسا بعد كاس حتى اخذتكم تلك الكؤوس وها انتم اسرى لها تجلسان تحت ظلال البرحية ......حقا انتما مخادعان لا يدرك صلاح خداعكما لانكما تكذبان بصدق..... هذيانكم لا يحتاج سوى مكنسة عسى ان تظهر الحقيقة ويكون هناك فعل يرضي من ينتظر منكم ذلك الفعل
- هذا الهرم السكير والد خطيبتك
- عندما طلبت يدها لم اجد سوى والدتها..... حينها كان يقضي عقوبته في منفى الشهابي بعد ان ضاقت البلدة به ذرعا ثم عاد ثانية بعد ان سرق تلاميذ الابتدائية قنينة المستكي من حقيبته وهو في غفوة تحت ظلال شجرة اثناء سفرة مدرسية للتلال الخضراء هناك وقضو عليها بعد ان صدقو ما ادعى عندما قال لهم بانها دواء للديدان وثارت ثائرة الاهالي بعد ان عاد اليهم اطفالهم شبه سكارى تفوح من افواههم رائحة المستكي..... ليعود مرة اخرى الى الثانوية خوفا . من انتقام سكان الشهابي وهاهو كما تراه يقضي معظم نهاره بعد الدوام في العبارة يحتسي العرق وكانه ماكنة بشرية لا تتحرك الا بوقود المستكي المخبىء في جيب سترته ولولا استاذ محمد مدير الثانوية وطلاب السادس الادبي وحاجتهم الماسة اليه لما عاد الى شيخ سعد على اي حال انه شخص غير مرحب به في عائلته طرد منها منذ ثلاثة اعوام لاصراره على التمسك باطلال ارض قفر لارغبة لديهم بالعودة اليها.....وهو غير قادر على احياءها ولا ينوي بيعها كل ما يربطه بهم هو نصف راتبه يعطيه لزوجته بداية كل شهر مرغما وعلاقة سيئة مع ابنه ولا احد منهما يطيق الاخر..... كثيرا ما يتخاصمان ويهدده ذلك الولد العاق بان نهايته ستكون على يده في يوم من الايام بعد ان حرمهم من ثروة تجعلهم يسكنون اجمل القصور بارقى الاحياء في بغداد
- واكرم الا تخشى ان يعرف وانت ستتزوج اخته قريبا
- يعرف ماذا
- سلوكك المنحرف في الاغواء مستغلا خيبة الامل للمتزوجات والفضول للاخريات
ضحك ابراهيم حتى دمعت عينيه عندها ازاح نظارته ومسح عينيه ثم ردد
- لاتخف رفيق اكرم طالب الاعدادية وعضو الاتحاد الوطني نذل يثير الاعجاب . امثاله لا يختلفو بشيء عن سويلم.... يشاركني مغامراتي وهو حليف يمكن الاعتماد عليه في حرب الاغواء السرية بمجرد ما اكشف له مكان تواجدنا حتى يتسلل كالعنكبوت لتجده امامنا مصرا لنيل مراده مجبرا العشيقة على الرضوخ خوفا من الفضيحة ولا يجرؤ على تانيبي خوفا من ان يصاب بالفاقة . ويعود الى ممارسة الشذوذ والسديمية مع رفاقه الاخرين.... وعدته بان اتحرر من ذل الشهوة واصبح مجرد رجل ذو ماض ....رجل ترك الجنس مدفوع الثمن ليختار المجاني بالرغم من غلاءه الفاحش . .... لذا نصحته بالاستفادة من الدروس المجانية التي يتلقاها دون مقابل سوى صمته ... لاذنب لنا في ذلك هكذا هو الامر الله خلقهن جميلات والشيطان جعلهن مغريات... وكما تعرف ... نحن ابناء عائلة سيئة السمعة طرد ابونا من الجنة بعد ان خدعته امنا لياكل من الشجرة المحظورة و ارتكب احد ابنائه جريمة بحق اخيه غيرة وحسدا.... كل الزعماء في التاريخ قتلو او قتلو من اجل سلطة لارضاء امراة
- والحب الا تؤمن بالحب
- الحب لا ينفع الا امثالك لديك من الخيال اكثر مما لديك من الذكاء.... الحب بضاعة كاسدة هذه الايام... المرأة كائن عملي يعشق الذهب و ورق البنكنوت هكذا خلقت . كالارض متى ما وجدتها صالحة للاغواء كل ما عليك هو نثر بذور الكلمات المعسولة وسقيها بالود والهدايا وانتظر لتحصل على ثمرة ذلك في السرير
-تقول ذلك لانك لا تستطيع ان تحب
-بالعكس استطيع ان احب وابذل الجهد في ذلك لايام حتى اصل الى الربع ساعة التي انهي بها ذلك الحب اذا وجدت من تبادلني اياه ...... الحب لا يختلف عن الكاس الذي تشربه للقضاء مؤقتا على الملل الذي يسكننا انه جنون مؤقت علاجه الضراب يبدا بقبلة تهدم اسوار العفة لتغزو قلعة الجسد
- لجوئك للجنس يدل على انك انسان محبط
- وهل لجوئك للطعام والشراب يدل على انك محبط ما هذه الترهات يا صاحبي انها الحياة هكذا هي منذ ملايين السنين ...خلقن و زودن بفسلجة تبحث عن الاستقرار و القضاء على الملل لذا زودن بالغريزة ليتبادلنها معنا تلك التي تبدا مبكرة ولا تنتهي عند بعضهن حتى بالزواج ....انهن البهاء الذي نتصوره بل اكاد اجزم انهن لسن سوى ذكور محورة وممارسة الحب معهن ليس اكثر من نرجسية للتغلب على الخيبة التي تسكننا من اللا جدوى في تلك الحضارة التي علمتنا كل فنون الكسل والنفاق ........و العائلة مع مرور السنين ستكون عبأ لا يطاق لان شراسة وطمع الراسمالية جعلت من الزواج الجحيم بعينه من خلال السعي المحموم لخلق مجتمعات كل همها هو الفوز بماوى مؤثث وتنافس محموم للنيل من الاخرين من اجل حفنة من الدولارات وسيارة حديثة وانتماء تملقي الى رجال السلطة والمال....تلك الحضارة التي بداتها المراة من اجل الاستقرار لانها تعاني من بطىء الحركة بعد ان اثقلها المزروع في احشاءها بملىء ارادتها في عصر الصيد وجمع القوت والتسكع بين القارات فسعت لحماية النظام عبر السلطة ووفرت ظروف لظهور المتسلط الذي وجد محتال يعينه ليصدقه الحمقى ...ومع التطور خدعت وكانها تريد ذلك لتتخلى عن قوتها البدنية والتفتت الى شؤون المنزل وتربية الصغار وتدريجيا تحولت الى اداة للمتعة بل اصبح الامر في الشرق العربي وبالا عليها لانها اصبحت رمزا للعفة لاقدرة لها للحفاظ عليها لانها سرعان ما تقع في شباك الغريزة التي تسكن جسدها اما الغرب الامريكي فالامر اسوأ حيث نالت من الحقوق ما يكفي لتكون دمية جميلة وممتعة في مكاتب السياسيين ورجال الاعمال واصحاب النوادي الليليه ومتى ما شعرو بانها تمتلك شيء من الكرامة او تقدم بها العمر و وجدو من هي اصغر و اجمل منها طردو ها لتتسكع في الشوارع مع المنحطين والمشردين
ثم انني لاذنب لي في ذلك لااستطيع ان اغوي انثى الا بارادتها وانت تعرف انهن يمارسن الجنس مع من يردن ونحن لا نمارسه الا مع من تسمح لنا هكذا هو القانون والا اتهمنا بالاغتصاب وافرغت علينا القوانين و التقاليد جام غضبهما
- وقد يفلت امثالك من فعلته ويلوذ بالفرار اما المسكينة تصبح نذر للتقاليد وتحز رقبتها سكين الشرف
- هكذا هو الحال دائما الغرائز تدفعنا وهوة التقاليد تستقبلنا والتفسخ مصيرنا
- الا يعكس الالم الذي تسببه للاخرين شيء بداخلك
تكلم صلاح بعد صمت طويل وهو يطوي الكتاب الذي بين يديه وشخص بصره نحو ابراهيم ثم تابع
- ليس الغرض من الحياة هو الاستمتاع بها على حساب الاخرين بعد معرفتنا بانهم اضعف منا .....هذا النوع هو فعلا كما قلت خداع يمارسه من يحب نفسه .... بتصرفك هذا تبدو و كانك اسير لشهوة اذلتك فاردت ان تذل غيرك لانك وارجو ان اكون مخطئا رجل تعاني من الاحباط ...... قد لااعير للحب الصبياني اهمية فهو ليس اكثر من وهم اخترعناه لنمارس الجنس ولكن هنالك ما هو اهم انها الرحمة هي ان تكون ملزما بالتفكير فيما يصيب الاخرين من ضرر لتصرفه عنهم اذا وجدت لذلك سبيلا ومتى ما امتلكت الارادة تجد نفسك غير ملزم بان تمارس فعل السوء وهذه الارادة اذا ما تمتعت بها تشعر بالرضا لانك ابتعدت عن الانا القذرة الساكنة فيك. قديما كان لدينا خيارا بان نكون بين صف الشياطين و الملائكة وغالبا ما كنا نختار الاختيار الثاني في اغلب الاحيان اما اليوم بات الكثير منا يخشى من القادم لذلك تمادينا كثيرا وادمنا على التحالف مع الشيطان وذلك نذير شؤم وكارثة قد تحل بنا اصبحت العلاقة الشرعية والمحرمة وسيلة للتباهي بفحولتنا امام انثى ننصب لها المكائد لننال منها لا لشيء سوى ارضاء لغرورنا وحتى.. لو واجه احدنا جراة من امراة لتوقعه في شباكها .....حسنا ليفكر قبل ان يقدم على فعل شيء هل جسدها ملكها ام هناك من يفرض وصاية مميته على ذلك الجسد و لا تنسى ان الايمان الكاذب هو عندما يكون الرب في قلبك والشيطان في سروالك عند ذلك يكون الامر اسوا من الالحاد وهذا هو ما تتمتع به انت وامثالك.... النساء ما زال يسكن في اعماقهن سلوك الجواري المفروض عليهن منذ الاف السنين بعد ان تخلو عنهن بصفتهن من يخلقن الرجال في ارحامهن واستعاضو عن ذلك بزخات المطر التي تقذف بها السماء لتتسلل الى رحم الارض وتنبت البذور ..لذا لم تعد تصرفاتهن اكثر من كفاح للحفاظ على قيم الحياة وسط مجتمع ذكوري متنمر معتمدا على مخالب وانياب سخرها له اناس لا تفقه شيء من الدين سوى الاساطير التي تخدم نزوات السلاطين .. عند الصفوة هنالك ما هو اكثر تشويقا من الجنس.. والشريف غير مستعد ان يرمي مسكينة اسيرة لغريزتها مغلوب على امرها الى نار الاعراف والتقاليد التي بدل ان تكون مرشدا تحولت الى سجان لايرحم لا اعظك بصفتي متدينا مثلك ولكن هذا هو الحال شئت ام ابيت
ساد صمت ونهض صلاح دون ان ينتظر جواب من ابراهيم وحاول يوسف ان يلطف الجو المتوتر غير ان ابراهيم اثر الصمت بعد هذا السلوك المفاجا من قبل صلاح وتسلل الجميع كل الى مخدعه بعد ليلة حافلة بوجهات النظر المتباينة والتي ستترك اثرها على العلاقة بين من حضرها
صباح اليوم التالي استيقظ . وشعور غريب ينتابه.. هي المرة الاولى التي تخونه ساعته البايلوجية و ايقن بانه كان منهك بما فيه الكفاية ليجد الساعة قد جاوزت الثامنة بدقائق ولا احد غيره في البيت وبدل ان يوقظه ابراهيم في الساعة السادسة كعادته منذ مجيئه خرج و تركه يغط في نوم عميق...... نهض على صوت الباب يفتح برفسه ذكرته برفسة كوركيس وهو يفتحها خلال الايام الثلاث التي مضت ولوهلة كان على قناعة بان القادم هو كوركيس لاغير ولكنه تفاجا بشخص يرتدي دشداشة بنية و تدلت من رأسه كوفية احاطها بعقال كان طويلا اشقر ضخم مائل الى السمنة بعيون بنية و بشرة بيضاء مشرئبة حمرة
- . صلاح ....... لاتقل لي انك تعمل هنا...... يا الهي لا اصدق ذلك يا لها من صدفة
- كاكا مقديد ما الذي ترتديه يكفي لورنس انكليزي كيف تطيق زي من لا تطيقهم كنت انتظر قدومك على احر من الجمر لم يخطر ببالي ان اجدك هنا.... ما الذي جاء بك الى هذا المنفى ؟؟؟
- وأنا أسألك السؤال نفسه عندها ضحك صلاح ومد يده مصافحا ومعانقا ثم سأله
- جئت من خانقين
- بل من السليمانية
- السليمانية ؟؟!! وبهذا الزي !!! مقديد اعرفك جيدا !! لابد هناك شيء ما جعلك ترتدي هذا الزي ثم مالذي تفعله هناك ؟ لم يخبرني كوركيس
- انها حكاية طويلة ......متى غادر كوركيس؟
- صباح امس ....حسنا سأعد الافطار وبعدها نذهب الى الثانوية سوية
- جاوزت الثامنة صباحا اذهب انت لايمكنني الذهاب الان . سأعد الافطار
- ما الذي جعلك ترتدي زي الرعاة؟؟؟ هيا اخبرني بدأت أشعر بالقلق
- قلت لك انها حكاية طويلة
- اسمعها منك عند عودتي .أيعلم ابراهيم بفدومك؟
- ارجوك لا تخبر احد لم يعد الامر يثير اهتمامي انا على وشك الانقطاع عن الدوام بشكل نهائي جئت لاودع الجماعة ومن حسن الصدف ان اجدك هنا ....... كوركيس لم اتمكن من رؤيته وقد لا اراه مرة اخرى لذا لم يبقى سوى ابراهيم ويوسف وابو اكرم انا اسف صلاح كنت اتمنى البقاء معك لفترة اطول على اي حال امامنا النهار والليل بطوله اراك عند عودتك
- لابأس اراك بعد الظهر
الحفاظ على الشخصية خير من استعادتها
اصعب ما في الحياة هو الاختيار بين جسر نعبره ونحرقه واخر نعبره ونتركه
ابرام صفقة مع الشيطان خير من الخنوع لاحد اتباعه
لا فائدة العالم وضع على سكة نهايتها هاوية سحيقة يمكنك القضاء على مجرم ليحل مكانه اخر الالاف بالانتظار والماكنة البشرية تسير نحو حتفها لا يفصلها عن ذلك سوى زمن لايتعدى عقود قادمة وما الحرب العالمية الاولى والثانية الا عوامل تسبق التفاعل
خرج ناشدا الثانوية و الساعة قد جاوزت الثامنة والنصف وعند دخوله .المدرسة كانت الساحة خالية سار الى غرفة المدير وهناك وجد استاذ محمد منكبا على الكتابة القى التحية رفع استاذ محمد راسه ثم نظر الى ساعته وابتسم ابتسامة ذات مغزى فما كان من صلاح الا ان اعتذر عن تاخره وهم بمغادرة الغرفة الى الصف غير انه سمع استاذ محمد يردد وراءه
- لاعليك حل مكانك استاذ ستار تفضل بالجلوس اعذرني لدقائق حتى انهي ما في يدي
- لاباس لم يوقظني صاحبك صباح اليوم ارجو ان لا يكون متحاملا بما سمعه مني مساء امس
- لم يسعني ان امر بكم كنت منشغلا باجتماع حزبي للرفاق من الشهابي والبلدة وعلي الغربي ....من كان معكم
-ابو اكرم ويوسف
- اوووه يا الهي كم اشتاق الى الجلوس معهم ما رايك بهم
-تقصد ابو اكرم ويوسف
- وهل هناك غيرهم لابد انها ليلة حافلة
- فعلا انها ليلة حافلة غير اني اثرت حفيظة ابراهيم بكلام لا يليق وباسلوب غير مهذب
- لايهمك انه حيوان سرعان ما ينسى انا اعرفه جيدا ولا يتخلى عن طبيعته..... علمته طريقته في الاغواء ان يكون كالاسفنجة يمتص الاهانه ولا يثور غير انه اذا اصر على الاغواء ينال ما يريد ولو بشق الانفس.....بالرغم من سلوكه السيء مع يوسف غير انه يوده بشكل خفي ولولا صداقة يوسف لابو اكرم ومعاقرتهم الخمر وكرهه لابو اكرم لكانو على خير ما يرام
- ولم يكره هذا الرجل؟؟
- زود بجرعات وحقن بسم الكراهية عبر ام خطيبته . .. .
- ما رايك بيوسف
نظر استاذ محمد الى صلاح نظرة ذات مغزى وعقب وقد علت وجهه ابتسامة ورد قائلا
- هذا الاحمر ملاكا تتجسد فيه طيبة البصرة غير ان عيبه متى ما يحتسي الخمر ينال من الرفاق ولو بشكل خفي .....اذا اقتربت منه تحبه واذا ابتعدت عنه تحبه اكثر
- بالرغم من انك لاتوافقه في الراي
-نعم لا اوافقه ولكنه من اعز اصدقائي
- الاتخاف منه
- ولماذ اخاف منه .بل اخاف عليه ولكن ما الذي تقصده بالخوف منه
- تتأثر بافكاره....... فالشيوعية وباء فكري لديها سحر ينال من الاخرين عندما يقعو في شراكها ولا يستطيعو التخلص منها الا بجرعات عالية من القراءة
- وهل سحرك بافكاره
- لا أأؤمن بها
- اذن انت تؤمن بافكارنا
- بل بالاشتراكية الفابية بعيدا عن الاممية والقومية
ضحك وردد
- وما هذه الفابية بربك الايكفينا ما نحن فيه من نزاعات بين الاممية والقومية
- الاشتراكية التي انبثقت من انكلترا وبقيت فيها بالرغم من عظمة الذين امنو بها والتي قلمت اظافر الاستعمار البريطاني لما تحمله من مضامين انسانية
- ومن هؤلاء العظماء الذين امنو بها
- يرناردشو .... ويلز ... هكسلي
- ولماذا لم تنتشر
- انتهت الحرب بظهور العملاق الراسمالي والشيوعي لذا انزوت انكلترا بجزرها البائسة تلعق جراح المخالب الهتلرية بعد سبعة سنين عجاف فقدت فيها اكثر مما تملك حتى كادت ان تتحول الى سجن نازي واثقلت كاهلها بديون لا طائل لها على تسديدها لذا لم يبق على الشعب البريطاني المشهور بذكائه سوى ان يطلق العنان لقادة الفكر ليزيحو الحطام ويرتبو البيت الداخلي لهم بما يضمن استمرارهم في الحياة بعيدا عن الحروب التي لا طائل منها وتم ايجاد نظام اجتماعي يعتبر من ارقى الانظمة الانسانية في العالم عبر التوزيع العادل للثروة وحفظ كرامة المواطن من خلال السكن اللائق والاعانات الاجتماعية للعاطلين عن العمل ومشاركة العمال للهيئة الادارية في ادارة المؤسسات الصناعية باعتماد الصراع الانتخابي والتداول السلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات بعيدا عن التهميش . وخلق الطبقة الوسطى المثقفة مجانية التعليم الابتدائي والثانوي
- وهذا ما يجري في العراق ما عدا الانتخابات وانت تعلم هناك جبهة وطنية
- ولكن هناك حزب حاكم لا يؤمن بالديموقراطية
-وهذا هو ما يؤرقني ويجعلني في كثير من الاحيان اعيد حساباتي وينتابني الشك في المسيرة النضالية للحزب ...الاوضاع تتازم ولا احد يعلم ما تخباه الايام من مفاجات غير سارة ولهذا قلت لك اخاف على يوسف بعد ان علمت بان حملة اعدامات نالت من بعض الجنود المكلفين بحجة التنظيم السري في القوات المسلحة
ساد الصمت ونهض المدير ليضغط على زر الجرس معلنا انتهاء الدرس الاول واندفع الطلاب الى الساحة بعد ان تقياتهم الصفوف لم يشا صلاح ان يخبر المدير بقدوم مقديد بناء على رغبته منتظرا نهاية الدوام ليلتقي به كما اتفقا
. . . وتسائل مع نفسه لابد ان شيء ما جعل مقديد يتصرف بهذا الشكل الغريب انه يعرفه جيدا فهو من النوع الذي يجعل من السلاح طريق لنشر الوعي يغفر لاصدقائه غير انه لا يغفر لخصومه اذا تمادو في اذلاله حتى لو اعتذرو . لانه يعتبر الاعتذار تمهيد لاساءة مستقبلية انه شخص خلق للحرب شجاع لايخاف شيئا متعصب بما يكفي لينحاز الى العدل غير ان عيبه هو انحيازه الى قوميته اكثر و بلا تردد بعاطفة غالبا ما تسبق العقل.غير انها عاطفة تناصر الحق يلجمها متى ما حامت الشبهات وراوده الشك حول قناعاته.......وعاد صلاح يفكر هذه المرة في وضعه الجديد الى متى يبقى في هذه المدينة التي لا يسمع فيها نهارا سوى دوامات الريح محملة بالغبار وشوارع بالكاد يشاهد فيها بشرا او كلب او قط اما من يراهم اغلبهم من مربي الجاموس في الجانب الاخر من النهر بجهلهم المطبق وامراضهم التي لاتشفى وبؤسهم الذي لا رجاء منه.... ذهب كعادته بعد نهاية المحاضرات الى المركز الصحي لمرافقة ابراهيم الى البيت كانت الساعة قد جاوزت الثانية عشر بدقائق .وشعر برغبة في المرور بالمستوصف والجلوس في الصيدلية حتى نهاية الدوام ولكن
عند دخوله البناية انتابه القلق من العيون التي شعر بها وهي ترصد كل شاردة وواردة وشعر بان هناك من يراقبه خلسة كغريب يجب التصرف معه بلؤم لمعرفة نواياه وهكذا هو الحال في اي مكان حيث الكامن من البهيمية عند البعض يجعلهم عدوانيون دون مبرر ولم يرغب بالبقاء والحالة هكذا لذا قرر مغادرة المستوصف و الذهاب الى البيت دون ان يلتقي بابراهيم وبعد خمسة دقائق وصل الى الدار .
ارتمى على السرير وتناول رواية ذكريات من منزل الاموات مستغرقا في قراءتها ولم يشعر بالوقت يمضي حتى انتبه الى باب الدار يفتح وبعدها اطل مقديد بقامته المديدة وجسده الضخم ونظر صلاح اليه متسائلا
-ما الذي جاء بك في مثل هذا الوقت
- منتصف النهار يوووه اربع ساعات مضت
- قلقت عليك اين كنت خلال هذه الساعات
- انه يوم حافل بالاحداث وانت اين كنت طوال هذا الوقت
- في الثانوية كما قلت لك صباحا مضى اسبوع على الدوام كما تعلم مررت في طريقي الى المستوصف ولكني لم ارغب في البقاء لذا اثرت العودة الى البيت دون مشاهدة ابراهيم
- وكيف هي الاحوال هناك
-لم ينتظم الدوام بعد والمدير منشغل بتنظيم الجدول
-سال عني
-لم يسال عنك ولم اخبره بقدومك بناء على رغبتك
-ولكن اين قضيت الساعات الاربعة
- حسنا عرجت الى القلعة عند ابو اكرم تغيبه عن العبارة هو ما جعلني اذهب الى بيته
- وكيف عرفت انه هناك
- لم اعرف . ولكنه كعادته اذا لم يكن في العبارة تجده في بيته...... اردت رؤيته
.
- هذا ما كنت اتوقعه .وماذا عن المباشرة.
- لم اعد اشعر برغبة في تعليم من لا يريد ان يتعلم
- وما الذي تفكر به .....مزاولة العمل مع الوالد؟؟؟؟
عندها ابتسم وردد بصوت يكاد لا يسمع
- نعم العمل العمل معه في جبال كردستان
- ماذا امرك عجيب ؟؟؟؟ وما الذي تفعله هناك
- ما يفعله الكردي عندما يشعر بالخطر نحن من رحم الصخور لذا تجدنا بصلابتها غير اننا قساة لا ننكسر طالما عاشرنا البرنو .....هكذا هو الامراتذكر عند المزاح وبعد كؤوس من المستكي كنت تقول لي انتم الاكراد اطفال الجبال تهربو الى احضانه كما يهرب الصغير الى حضن امه عندما يشعر بالخطر اعطتكم الالهة وطن وحليف بمواجهة الغزاة!!!!! لم ولن يتمكن الرعاع من لي ذراعكم ولن تكونو لقمة سائغة مثل البقية من الاقليات في هذا الوطن الذي يمضغ الضعيف و يبصقه........... متى ما شعرتم بان هناك من يضمر لكم شرا تختفو في الكهوف والمفارز والضخور الهائلة مع حريتكم وكرامتكم .ما رايك بالهروب معي لمواجهة الغزاة
- غزاة!!!! عن اي غزاة تتحدث اتقصد كلا لا اصدق يبدو ان الامر تطور بشكل خطير!!!!! وما الذي تريدني ان افعل احمل السلاح لاقتل انت تعرفني جيدا مثلي لا يجرأ على ايذاء ذبابة
- ولم لا هنالك الكثير من هم بشاكلتك معنا .....قضيتنا عادلة والقضية العادلة كل العالم وطن لها هذا ما سمعته منك سابقا عندما كان يحتدم النقاش كنت تقول كل الاقليات دفعت الثمن باهضا في بلد يحكمه دائما كادر لئيم متخصص في الاستيلاء على السلطة والتنمر على ناسه ...... . بل يسعى الى وجود مثل تلك الاقلية حتى بين العائلة الواحدة وجل هؤلاء يبدأو سويلم وينتهو كبارا ....... ولو اخذت عينة منهم وفحصتها ستجدها تنتمي الى احفاد الغزاة الذين حرثو وزرعو بذورهم في ارحام المتبضعات ولم يبقى سوى الاكراد متى ما شعرو بالخطر صعدو الجبال ولم تتمكن سلطة من اللحاق بهم على مر التاريخ على عكس اليهود والنصارى الذين لم يجدو ما يلوذو به فتركو الوطن والمال هاربين الى منافي العالم
- لم انكر ذلك وما زلت مصرا على رأيي
- اذن كل ما تحتاجه هو بندقية تحملها على كتفك وجبل تلوذ به
- اعذرني لم افكر يوما بالانتماء الى معسكر يطلق النار من اجل قضيه حتى لو كانت عادلة
- الدفاع عن النفس حق مشروع كفلته الطبيعة
- وانا ادافع عن نفسي بالهروب وعدم المواجهة واتقاء الاشرار
- ما عهدتك صوفيا وحجتك التقية .....ما أعرفه انك تعتبر التقية اكذوبة .... بل هي في رأيك ليست حكمة بل خوف وتردد
- لست تقيا ولكني اعرفك جيدا انت لا تختلف كثيرا عن اي قومي متطرف بل تتمادى احيانا الى حد يجعلك هذا التمادي في خطر محدق غير ان الحظ يقف الى جانبك ما زلت اذكر اللكمات التي ادميت بها وجه عضو الاتحاد في المعهد بعد ان منعك من توزيع المنشورات وهروبك قبل ان تقع في ايدي جماعته ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة
- مصيبتك انك رجل مثقف جدا ولا تختلف بشيء عن ابو اكرم لذا لاتحب ذبح الطيور ولكنك تحب اكلها......... لاطعم للحياة دون صراع من اجل قضية تلك المواجهة هي التي تجعل الدماء تفور في عروقك..... ثقافتك هي السبب في تردي سلوكك و ترددك انها جعلتك كالقط المدلل تبحث عن دفأ ووسادة تتمدد عليها وطعام جيد يصلك واسترخاء لقراءة رواية تعيش احداثها بأستمناء ذهني بعيدا عن وطنك الذي يحترق
- وانت رهنت ارادتك بيد الاخرين و اصبحت لاتختلف عن الرفاق .....بل . تنفذ الاوامر ولا يسعك الا الطاعة . تطوعت لمواجهة اشخاص لا تعرفهم وانا لا قدرة لي على فعل ذلك........ الشجاعة التي اتمتع بها هي ان ارثي لامثالك عندما يمسكو بتلك الحديدة الباردة و يضغطو على الزناد دون معرفة ضحيتهم التي يردونها بدم بارد
- هذا الهراء الذي تقرأه افسد عقلك ولم يعد بأمكانك ان تميز بين الضحية والجلاد لولا هذه الحديدة الباردة لما بقينا احياء طيلة اربعة الاف عام
- في العالم الذي نعيشه لم يعد هنالك فرق بين الضحية والجلاد انهم غالبا ما يتبادلو الادوار
- الا تضطر احيانا الى الانتقام ممن سعى الى ازدرائك و اغتصاب ارضك ثم اذلالك؟؟
- ليس كجندي يمتثل لاوامر اسياده............... لا اود ان اكون فردا ضمن مجموعة مقاتلة تسمى جيشا فأي جيش في العالم لا يتردد عن تخريب و سرقة اي شيء يقع في يديه تلك هي لذة الانتصار في الحروب عبر التاريخ ثم يسعى قادته بتسخير اصحاب الاقلام الرخيصة الى تجميل صورته بحكايات اخلاقية قريبة الى الاسطورة و لا تمت الى الواقع بصلة التاريخ ليس اكثر من صالون تجميل في خدمة عروس اسمها انتصار..... احاول دائما ان ابتعد عن الاوغاد ولكني اذا اضطررت و اردت الانتقام .....انتقم من شخص بعينه سبب لي الاذى وهذا هو الفرق بيني وبينك انا لا انتمي لاكون قويا وانت تنتمي لتكون ....تبا لنظامك العسكري ذلك النظام هو وليد سلسلة طويلة من القوانين صاغتها اعوام من الصراع بين انظمة مستبدة لقادة نرجسيين من اجل التمتع بالسلطة ومزاياها انهم قياصرة كل عصر وهم بحاجة الى امثالك من العبيد لاشباع رغباتهم
- حسنا لم تفاجأني برأيك ما زلت كما تركتك قبل اكثر من عامين كما انك لاتستطيع ان تغيرني ولا اريد ان اغيرك لنحتفظ كما تعودنا بهذه المسافة بيننا ونبقى اصدقاء كما كنا دائما
- ومن قال لك اني افرط بهذه الصداقة كاكا مقديد لولا احترامي وثقتي بك لما تفوهت بكلمة مما سمعت الان غير اني انصحك بأن تكون حذرا
- حذرا هه عن أي حذر تتكلم .... الحذر لم يعد كافيا ....... بالأمس...... صدق او لا تصدق لم يكن بيني وبين الموت سوى باب هرمة من الصفيح والواح خشب الصناديق...... عندما تركت فيها رفيق السفر عند دخولنا حي الاكراد بعد اجتيازنا كراج النهضة والكوازة لزيارة العشيقة التي كنت اتوق لرؤيتها على احر من الجمر وما ان دخلت الدار ولم اكد اتفوه بكلمة وأنا اراها مقبلة نحوي حتى سمعت صوت اطلاقات نارية لم اخرج بل نظرت من شق الباب الخشبية الهرمة لاجد صاحبي تمدد وسط الطريق نهاية الزقاق يلفظ انفاسه الاخيرة ورجلين ملثمين احدهما بكوفية جنوبية والاخر بكوفية بيضاء يحمل كل منهما مسدس ويعدوان ليبتعدا عن مكان الحادث مددت يدي مرتبكا من هول ما شاهدت لافتح الباب ولم اعرف من اين يفتح واليد الاخرى تمسك بالمسدس كنت انوي الخروج لهؤلاء الاوغاد واطلاق النار عليهما غير ان المرأة ارتمت واحاطتني بذراعيها متوسلة لكي لا اخرج وانتظر ليبتعدا و اضطررت الى الامتثال لارادتها ولا ادري هل خوفا عليها وعلى والدتها ام خوفا على نفسي وعدم قدرتي على مواجهة شخصين مسلحين وقد يكونو اكثر.......
نظر صلاح الى مقديد وسحابة من القلق ظهرت على وجهه فجأة ثم ردد
- اتعرف الرجل جيدا
- انه من سرية اخرى التقينا في منتصف الطريق عند نزولي الى سفح الجبل بعد مغادرتي المجموعة كان مكلف بايصال رسالة الى شخص لا اعرفه في حي الاكراد بالخندق ......رحمه الله كان غاية في الطيبة ودماثة الاخلاق قضينا معا جنبا الى جنب نتبادل الاحاديث طيلة السفر و لاكثر من سبع ساعات ما بين السليمانية وبغداد
- وماذا حدث بعد ذلك
- خرجت والدتها اقتربت منه وسمعته ينطق بالكردية طالبا الماء وقبل ان تسعف طلبه لفظ انفاسه الاخيرة
- وانت ماذا فعلت حينها
- طلبت مني هي ووالدتها وبالحاح البقاء في المنزل ومنعتني من الخروج حتى فجر اليوم التالي وزودتني بما ارتديه الان
- ماذا احقا ما تقول لاشك انك تمزح اومجنون لتواصل رحلتك الى هنا
- هذا ما حدث ولكني اؤؤمن بأن القدر أبتسم لي في ذلك اليوم
- انت واهم لابد انهم كانو يتعقبونكم واختفاؤك المفاجيء في بيت عشيقتك قد يؤخرهم غير انه لايمنعهم من اقتفاء اثرك و معرفة وجهتك عليك ان تغادر البلدة بسرعة ودون تأخير ولكن انصحك بالخروج عند حلول الظلام دون المبيت حتى صباح الغد ارجوك قل لي هل شاهدك احد عند ذهابك لزيارة ابو اكرم
- احتطت لذلك وسرت عبر الزقاق الضيق المهجور الذي يجاور البيت ومنه الى الشارع خلف الاكمة بمحاذات السوق المهجور بعيدا عن الدوائر الحكومية ثم الطريق الترابي الذي يؤدي الى مزرعة ابو اكرم
- في الصباح عند مجيئك هل كان هناك احد في العبارة
- أمرأة عجوز ورجل مسن كان الوقت مبكرا
- جيد كل ما أطلبه منك هو الانتظار هل شاهدك ابراهيم ؟؟؟
- كلا
- وكيف وصلت الى الدار اقصد بنفس طريق الذهاب الى ابو اكرم
-نعم
- حسنا سأخرج لدقائق ثم اعود
- الى اين
- لابد من الاستطلاع لاراقب ما يجري من امور في مركز الشرطة والناحية
- ما هذا التوجس والخوف عهدتك حذرا لا جبانا .... اللعنة عليك جعلتني اشعر بالقلق
- بل انا حذر والحذر واجب في مثل تلك الامور يا الهي ارجو ان يمر كل شيء بسلام اشعر بمسؤولية اتجاهك يجب ان تغادر هذه البلدة بسلام ولا اريد ان اتورط بتفاهاتك ...... كل ما اطلبه منك ان تبقى في البيت ولا تخرج واغلق الباب واصغ الى صوتي لتفتحه .......الدوام لم ينتهي بعد امامي نصف ساعة قبل مجيء يوسف وابراهيم
خرج من البيت وشعور من القلق يتسلل ويتحول الى رعب مقيت يجتاحه وكل خشيته ان يفتضح امر المختبأ في البيت من خلال عيون تراقب خلسة ما يجري وهذا المتنكر الذي من السهولة التعرف عليه من قبل ابالسة الحزب في مجتمع نصفه يتجسس على النصف الاخر وعندالشاطىء جال ببصره يمنة ويسرة كان كل شيء يبعث على الاطمئنان مديرية الناحية ومركز الشرطة والمنظمة تلك الابنية التي تجاور بعضها البعض ساكنة مثل كل يوم ولاشيء غير مألوف يبعث على القلق فيما حولها تنفس الصعداء وقفل عائدا الى البيت وعند الباب طرق طرقا خفيفا ثم اتجه نحو النافذة وبصوت يكاد يكون همسا وعيونه ترصد ماحوله ردد
- افتح الباب
وماهي الا ثوان حتى فتح مقديد الباب عندها دخل صلاح وهو يهمس
- لاشيء يبعث على القلق....استحم وننتظر ابراهيم لتناول الغذاء وبعدها ندبر لك مخرجا
وبينما مقديد في الحمام دخل ابراهيم واراد ان يكلم صلاح حول ما جرى صباح اليوم وضرورة التقيد بالدوام والتحلي بضبط النفس امام الدكتور وزمرة سويلم غير ان صلاح لم يعر اهتماما لما سمعه من ابراهيم وغير مجرى الحديث حول القادم الجديد والاحداث التي جرت في بغداد عندها ساد الصمت لثوان ثم سأل ابراهيم
- واين هو الان
- في الحمام
-وماذا عسانا ان نفعل لا اريد ان نتورط بمثل هذه الامور
- سنجد حلا عند حلول الظلام ..... تأخر يوسف
- احيانا يتاخر في عمله بتنظيم حسابات وجدول الرواتب
- بأمكانك الذهاب الى الكوت وبهذا تتخلص مما نحن فيه
- وانت
- احاول ان اتدبر الامر
- حسنا ساقضي ليلتي عند اقاربي هناك اراك غدا
- ان سار كل شيء على ما يرام
وبينما فتح ابراهيم الباب كانت هناك طفلة وصلت للتو في يدها وجبة الغذاء والذي بدوره اخذه منها وسلمه الى صلاح وخرج مسرعا وكانه يتخلص من عبأ ثقيل ......
قبل المساء دخل يوسف الدار ورحب بمقديد اشد ترحيب وعرف بما جرى ولم يشأ صلاح ان يخبره بتصرف ابراهيم خوفا من ان يسمع مقديد .....وسرعان ما تغيرت ملامح يوسف ونظر الى صلاح نظرة ذات مغزى وكانه تذكر شيء حدث قبل قليل وانتظر خروج مقديد من الغرفة وهمس في اذن صلاح
- توضحت الصورة لدي وارجو ان اكون مخطئا
- ماذا هنالك
- سمعت رد مدير الناحية على التلفون وحديث مطول من الجانب الاخر عرفت منه بان هناك من هو قادم مساء اليوم الى الناحية كان يتكلم بجدية وتملق وخوف مما يدل على اهمية ونفوذ من يكلمه
وقبل ان ينهي يوسف حديثه دخل مقديد وراى الوجوم و القلق على الوجوه
عندها قال
- تكلما لابد هناك ما يشغل بالكما
نهض صلاح بعد ان ارتدى حذائه ووقف وسط الغرفة وبصوت خفيض اشار بيده الى مقديد قائلا
- هيأ نفسك سنخرج الان لامجال للانتظار
- ماذا انها بداية المساء
- لاخيار لنا الدقائق القادمة ستكون نهايتك ونهايتنا اذا ما بقيت في البيت لابد انهم في طريقهم الى البلدة اتوقع وصولهم في اية لحظة .....يوسف مهد لنا الطريق وعند نهاية الشارع اذا وجدت كل شيء على ما يرام اوقد سيكارة لارى عود الثقاب مشتعل واذا ما رأيت شيء يبعث على الارتياب عد بعد ان تمد يدك في جيبك وكأنك نسيت شيئا ما وانا اراقبك من النافذة
- حسنا
خرج يوسف وسار بتمهل حتى وصل نهاية الشارع مبتعدا لمسافة مائة متر عن البيت ووسط عتمة لظلمة تكاد تهبط للتو وقف وماهي الا ثوان حتى اشعل عود الثقاب عندها خرج صلاح يتبعه مقديد ووصلا الى مكان يوسف والذي ابتعد نحو الشاطىء ليوقد عود ثقاب اخر وعند الشاطيء بعيدا عن العبارة والدوائر الرسمية باتجاه الاعدادية المقفلة في مثل هذا الوقت وصل صلاح ومقديد حيث يقف يوسف كانت الساعة تشير الى الثامنة مساء همس صلاح طالبا من يوسف العودة الى البيت عندها رد يوسف
- وانت ......كيف اترككم في مثل هذه الحالة
- لا تشغل بالك يمكنني تدبر الامر طالما ابتعدنا عن الخطر ارجوك عد الى البيت وبسرعة وكن حذرا ولا تلفت انتباه احد
ابتلعت الظلمة يوسف ولم يبقى سوى صلاح ومقديد حيث توجها نحو المقبرة ومنها نحو غابة الغرب واختفيا وسط الاشجار المطلة على دجلة حيث تقابلهم الجزيرة التي تقسم النهر...... جمعا ملابسهم على راسهم وربطا تلك الملابس بحزام وعبرا النهر الى الجزيرة ومن الجزيرة الى الجانب الاخر وبعد ان ارتديا ملابسهم سارا لساعة من الزمن عبر مزارع مهجورة حيث وصلا الطريق العام عندها ودع مقديد صلاح وغادر في منشأة قادمة من البصرة الى بغداد اما صلاح سار لمسافة بمحاذاة الطريق العام ومنه الى الشارع الذي يؤدي الى العبارة ووقف ينتظر قدومها بعد ان راها تعمل في هذا الوقت المتاخر على غير عادتها وانتبه الى وجود سيارة لاند كروز حديثة فيها اربعة اشخاص صعدت الى العبارة وقد نزل احدهم بعد ان سارت العبارة واقترب من صلاح وسأله
- هويتك
- ماذا
- سمعتني ولا اريد ان اكرر ما قلته
فما كان من صلاح الا ان اخرج هويته واعطاها لذلك الشخص الذي القى نظرة سريعة عليها واعادها الى صلاح متابعا
- مدرس ؟
-نعم
-منذ متى
- منذ اسبوع
-من بغداد
-نعم
- واين كنت في مثل هذه الساعة المتاخرة
-في الكوت
-وما الذي تعمله هناك
-تملكني الضجر فذهبت الى نادي الموظفين ولم اشأ المبيت لالتحاقي بالدوام صباح الغد وبدل ان اعبر الى البلدة بزورق حالفني الحظ بوجود العبارة في هذا الوقت المتاخر
وقفت العبارة وزمجر محركها وهي تستدير
وقبل ان يصعد اللاندكروز ليلتحق بجماعته ساله
- اين تقيم بامكاننا ان نوصلك الى البيت
- اخشى ان يكون ذلك عبئا عليكم
-لاتفكر في ذلك هيا اصعد
صعد معهم حيث تركت اللاند كروز الناحية والمنظمة واتجهت الى المركز الصحي ومنه الى الشارع الذي يقع فيه البيت وقبل ان تصل البيت طلب صلاح النزول لوصوله . عندها نظر ذلك الشخص الى صلاح وردد
- هذا هو البيت
-نعم
-امر غريب ونحن ايضا قادمين الى نفس البيت
- ماذا اتعرف احدا من الموجودين في البيت ؟
- ومن هم الذين يسكنون معك ؟
- انا ويوسف وابراهيم
- وهل ابراهيم ويوسف في البيت؟
- ابراهيم في الكوت ويوسف قد يكون في البيت اذا لم يكن قد خرج الى المقهى
نزل الجميع من اللاند كروز ودفع صلاح الباب دخلو . ....اختلس النظر اليهم كانو انيقين تفوح منهم عطور فرنسية غير انهم ينبضون حقدا شعر بانهم مزودين بمخالب وانياب غير مرئية تجسدت بمسدسات خبأوها وراء الستر الثمينة شدت بالاحزمة الجلدية اعلى خلفياتهم فوصلت فوهاتها الى المفرق بالقرب من الاست مزودين بعربة حديثة رباعية الدفع.....
تنفس صلاح الصعداء عندما وجد البيت خاليا وايقن ان يوسف لابد قد خرج الى المقهى تجول الاربعة في البيت وداهمو الغرف الواحدة تلو الاخرى فتشو كل شبر وعجزو ان يجدو الشيء الذي يبحثو عنه فعلو كل ذلك وصلاح يراقبهم وقد رسم الذهول على وجهه ولما لاحظ هدوءهم سأل الرجل
- عن ماذا تبحثون
- لا شيء مجرد زيارة للتعارف
- اهلا وسهلا بكم بأمكانكم الجلوس لشرب الشاي
- ولم لا لايرد الكريم الا البخيل
ولم تمض سوى دقائق حتى كانت هناك خمسسة اقداح من الشاي توزعت بين الجميع حيث جلسو في باحة البيت تحت البرحية وابتسم صلاح وهو يفكر بين جلسة البارحة وجلسة اليوم حيث انتبه احدهم الى ذلك وسال صلاح
- ما الذي جعلك تبتسم
- لا اصدق ان زيارتكم هي للتعارف لابد ان هناك ما تبحثان عنه باستطاعتي مساعدتكم لو عرفت ما تبحثون عنه
حملق الرجل فيه وقتا طيلا وقال
- يبدو انك لاتعرف ما يجري هنا
-انت في بيت مرزا المجوسي .....يشاركك العيش شيوعي ترك حزبه لانه يعيب عليه انتماؤه للجبهة و اخر ينتظر الغائب ليقيم العدل على رؤوسنا وهؤلاء لايهموننا بشيء وهم ليسو اكثر من عجول في الحظيرة ما يهمنا هو الكردي الذي شوهد في مراب الكوت متوجها الى هذه البلدة وانت يا صلاح نعرف عنك الكثير نصيحتي لك كن حذرا
ان من يشارك الكلاب مخدعهم تعيش عليه البراغيث
عندها صمت الجميع ومضت الدقائق ثقيلة على صلاح وحاول ان يصطنع الكياسة ودماثة الاخلاق حيث وجد الى ذلك سبيلا ومضت اكثر من نصف ساعة على وجودهم عندها نهض ذلك الرجل ونهض الاخرون وهمو بمغادرة البيت حيث رافقهم الى الباب صافحهم مودعا اياهم طالبا منهم تكرارالزيارة متى ما تسنى لهم ذلك وبعدها تحركت اللاند كروز لتختفي ولم تمض على مغادرتهم سوى دقائق حتى اطل يوسف برأسه ليجد صلاح مسترخيا يراقب دوران المروحة تركه واختفى في الغرفة الاخرى ثم ظهر وفي يده قنينته الاثيرة وشمر عن ساعده لاعداد المائدة بما تيسر من لبن وخيار وابتسامة تعلو وجهه مرددا
- شتان ما بين الامس واليوم و لا احد يدري بما سيأتينا به الغد
.
مضى اكثر من اسبوع وسرعان ما اصبح صلاح جزء من مجتمعه الجديد حيث الامسيات مفعمة باحاديث شيقة مع ابو اكرم ويوسف واستاذ محمد الذي كان قد زارهم وقضى امسية رائعة معهم . ونمت عرى صداقات كانت نهاية الصيف فيها من اجمل الايام........و بالذات ايام الجمع حيث السباحة في دجلة والعبور الى الجزيرة بزورق عبعوب بعد الاتفاق مع هذا البخيل على ايجاره ليوم او يومين وتحميله بما يتيسر من الثلج وقناني البيرة و والفحم لشواء اللحم ثم قضاء الليل بطوله عند الجزيرة التي تبعد عن البلدة ثلاث كيلومترات بعيدا عن اعين المنافقين كانت ايام لا تنسى جميلة بكل ما فيها من لهو ولعب لكرة القدم على الرمال الناعمة ثم الذهاب اكثر من مرة مع المدير واحمد استاذ اللغة الانكليزية وابن الاعظمية بعد اضطرار والده للاستقرار هناك لعمله مديرا للبريد .....كان شابا وسيما الى الحد الذي يلفت الانتباه بدماثة خلقه وطيبته التي فاقت كل حد وعشقه لشيكسبير ووردزورث وايمانه بالماركسية وسعة اطلاعه ..... الاعرج الذي اصيبت ساقه عند صغره بشلل الاطفال كانو يسافرو معه الى العمارة حيث منزلهم الواسع الجميل في بستان عواشة والمبيت معه و تناول العشاء والفطور من يد والدته الامراة الطيبة التي لا تتوانى عن خدمته لانه وحيدها وخدمة اصحابه بما تجيده من طعام لذيذ
--------------------
نهاية ايلول والصيف يوشك ان يغادر وبرودة لذيذة تفرد اجنحتها في الشارع المغبر مع دفء الشمس لفجر ناصع وفي الطريق ظهرت مجموعات صغيرة من اطفال ارتدو ملابس زينت الشارع المهمل والذي لم يشهد حركة منذ اشهر
حيث دبت الحياة في هذا الطريق مع كلمات وضحكات ترفرف في الهواء واقدام صغيرة تتقافز وهي تغذ السير نحو المدرسة لتتجمع الحشود امام ابوابها بانتظار بداية العام الدراسي
ربت صلاح على راس احدهم متسائلا وابراهيم يسير الى جانبه في طريقهم الى عملهم
- ترى اين كانو لم اشاهد طفلا طيلة الايام التي مضت
- مختبئين مع اهاليهم عند اقاربهم بعد ان فرو خوفا من التهجير وهاهم يعودو بعد ان خفت وطات الحملة وعلمو بان السلطات لم تعد تابه بمن تبقى منهم ولا نية لديها لاعادة الكرة بعد ان نالت من سيئي الحظ وحشرتهم شبه عراة نساء ورجال واطفال في احواض الايفا العسكرية مكدسين كالمواشي لترميهم عند الحدود في الشهابي الى مصير مجهول وسط الصقيع والضواري
- وهؤلاء مصيرهم معلق بما ستؤول اليه الامور وبما سيقرر القائد الذي لا يتوانى عن اتخاذ قرارات بعد ان اطمأن وعرف انه امام شعب مستعد ليرسخ اعتقاده بما يخالف القانون ويساهم بارتكاب الفضائع شعب تعلم حكامه عبر قرون لكي يحكمو باستهتار لابد ان يخوفوه ليطيع ومن الخوف تحولت اعينهم سجون وافكارهم زنازين وسكنت في نفوسهم الرغبة في الانتقام من بعضهم من اجل ان يحصلو على هبات هي اسوا من الاقتراض وشبيهة بالتسول